يمثل كتاب العقل السياسي العربي" لمؤلفه محمد عابد الجابري الذي طبع للمرة الأولى عام 1990. في هذا العمل سعى الجابري إلى فهم محددات وتجليات العقل السياسي العربي في سياق تعثر الدولة الوطنية وفشل مشروع النهضة وعودة النزاعات العشائرية والطائفية والأصولية الدينية، والتي تهيمن اليوم على المشهد المشرقي العربي بشكل تام. فالنزاعات آلت إلى حروب، والحركات الأصولية انتهت إلى الدولة الإسلامية والنصرة والقاعدة، وتعثر الدولة الوطنية انتهى إلى تفككها وانهيارها. مما يبرر العودة إلى محاولة الجابري في هذا المجال.
قبل البدء بالحديث عن محددات العقل السياسي العربي لدى الجابري، فلا بأس من قول شيء عن "العقل" العربي السياسي لديه، درءاً لأي سوء فهم أو التباس ممكن عند الحديث عن "العقل" العربي. ما يعنيه الجابري بـ"العقل" هو القوالب أو المفاهيم السابقة على الفعل السياسي والتي نستخدمها لفهم العالم "السياسي" ومن ثم التصرف حياله،
ليس المقصود بالعقل هنا عقلاً لا تاريخياً أو لا اجتماعياً، حيث يحيل الجابري إلى التكون التاريخي له ويعرض في مقدمة كتابه نقاشاً مستفيضاً بالإضافة إلى العديد من الملاحظات حول الأصول الاجتماعية لهذا العقليرى الجابري أن العقل السياسي العربي يملك ثلاثة محددات تنظم فعله السياسي، وهي العقيدة والعشيرة والغنيمة، والتي بدورها تشرح لنا الكثير مما نراه اليوم من عوامل تمزق العالم العربي، ممثلة بالنزاعات العشائرية والطائفية والأصولية الدينية .

تحيل العشيرة لدى الجابري إلى كل جماعة تنتظم على أساس العصبية في تضامنها الذاتي وتلاحمها في مواجهة الجماعات الأخرى، مما يكرس ضعف الهوية الوطنية وفكرة الجماعة الوطنية التي ننتمي إليها جميعنا. لهذا لا تقتصر العشيرة على القبيلة، بل قد تكون الطائفة أو الانتماء الجهوي مثلاً.
ومن هنا يرصد الجابري غياب دولة المؤسسات في التاريخ العربي. تتمحور الدولة بكليتها حول الأمير، الدولة هي الأمير والأمير هو الدولة، فلا تمييز بين ما هو عام وما هو خاص. يستعير الجابري تحليل فوكو لاستعارة الراعي والقطيع لتحليل السلطة في التراث المشرقي، حيث تتماهى السلطة بالراعي الذي يرعى قطيعه، ووجود هذا الراعي هو شرط وجود واستمرار القطيع
وفي الأخير يقدم محمد عابد الجابري في كتابه العقل العربي السياسي طرحا جديدا و جديا في تجاوز المنطق القبلي وهو التمدن و المدنية و خلق ما يسمى بالأحزاب و الجمعيات والنوادي لبعث حياة مدنية أو مجتمع مدني يعيش فيه الانسان العربي حياة مدنية تحت راية الوطن و المواطنة لا القبيلة و العشيرة و الجهة. 





Share To: