***
من نافذة غرفتي أنظر إلى الحقل الواسع أمامي، كنا قد انتقلنا لتونا من منزلنا داخل القرية إلى هذا المنزل البعيد المنعزل.
يصلي أبي العِشاء وتجهز أمي العَشاء ونتعشى ونذهب جميعا إلى النوم، صوت مميز للرياح بالخارج، دفعني الفضول إلى النظر من خلف الشباك عن المنظر الخارجي.
من بعيد في نهاية الحد الخاص بالحقل أشجار الكافور العالية تتمايل مع الرياح، ضوء القمر الخافت يظهر ظلالها كأنها أشباح ضخمة تقترب وتريد أن تنقض على منزلنا.
ألاحظ شيئا غريبا...
في منتصف المسافة بين منزلنا والحد هناك كائن ما يقف مراقبا يتمايل بعنف، لونه أبيض ضخم الجثة ولا ألاحظ أن له قدمين، هو شبيه جدا بالأشباح التي نراها في الأفلام، أرجع مسرعا إلى سريري وأختبئ تحت البطانية.
لن أرى النوم في هذه الليلة السوداء، كبريائي يمنعني من الذهاب إلى غرفة أبي وأمي، صوت غراب من بعيد ينذر بخطب ما، هناك بعض الخرفشة البسيطة على حواف الشباك وينتفض قلبي رعبا.
أسمع صوت الغراب مرة أخرى، لكنه الآن قريب جداً، يبدو أنه هو من يقف على الشباك!
هل لهذا معنى؟
أصوات متداخلة تدور في رأسي وعيناي لا أستطيع أن أفتحهما، أسمع كأن هناك من يصيح باسمي بصوت ناعم، لم ترهبني ماضيا حكايات النداهة وعم عوض الذي ذهب إليها ولم يرجع.
كنت أراها فلكلوراً شعبياً أكثر من كونها قصة مرعبة تخيف الأطفال، لكن يبدو أن من أخذت عم عوض تريدني أنا أيضا!
هل ألبي نداءها؟ هل سأستطيع أصلا أن أقوم من تحت الغطاء؟
صوت الخرفشة يعود من جديد، الغراب ينعق بصوت عالٍ، أقوم لأذهب إلى الشباك لأرى خياله المخيف وبعضا منه، بخبطة ضعيفة على الشباك أنقر علّه يخاف .
وفعلا يطير مبتعداً تاركاً خلفه جثة!
فجأة يهبط طير آخر في نفس مكان الغراب، يبدو أن شباكي هذا مكان مميز للطيور، يدور برأسه ثم يصدر الصوت المميز لكل حالات الرعب.
لم يخف الغراب من خبطتي ولكنه خاف من هذه البومة، غراب ثم بومة وجثة، وقبلهما شبح مهول وأشجار تريد أن تنقض على
ليلة سعيدة جداً.
تتفحص البومة الجثة التي تركها الغراب، تقلب فيها بعض الشيء وتزوم بصوتها مرة أخرى وتطير.
ربما يكون هذا الفأر أحد الأرواح الشريرة، الأمر الذي يخيف الطيور من أن تقدم على أكله.
فأر قاده حظي التعس إلى شباكي ليكون هذا مرقده الأخير.
لكن لماذا رفضه الغراب ورفضته البومة؟ هناك شيء غامض في الموضوع، ربما لم يرفضوه، هل أحسّوا بي من الداخل وخافوا قبل أن يهموا بأكله؟
لا أعتقد، فأنا أكثر خوفاً من قطة صغيرة تاهت وسط شوارع قريتنا المليئة بالكلاب الضالة.
أفتح الشباك بحرص، أحاول أن أشيح بنظري عن الأشجار وعن هذا الشبح العملاق الذي ربما يكون قد تحرك قليلا نحوي، يراودني شعور بأن هناك شيء ما ينتقل على شواشي الشجر، كائن أسود آخر لا أعرف ماهيته.
أزيح الفأر بسرعة من على عتبة الشباك، يدور رأسي وأحس بعدم الاتزان، أغلق النافذة سريعا وأعود لسريري لاختبئ مرة أخرى تحت البطانية.
خيالاتي تأخذني لأبعد مدى، أحس بالأشجار أمام السرير وعلى يميني الغراب وعلى يساري البومة، الفأر ربما تحت قدمي الآن، لأ تفاجأ بأن الشبح الأبيض يقف عند رأسي، وكان هذا آخر ما أتذكره.
أمي توقظني صباحا، تزيح الغطاء من فوقي لأجد جسدي مغطى بالعرق، أجلس قليلا على حافة السرير لاتذكر كل ما حدث ليلا، أخرج لأجد أبي جالسا على الطبلية وأمي تضع الفطور، نفطر سويًا ويهم أبي بالخروج إلى الحقل فأخرج معه.
كان أول ما أريد أن أراه هو شباكي من الخارج، ذهبت إليه مسرعا لأجد جثة الفأر مازالت في مكانها، أحاول أن العب فيها بأحد أعواد القطن، لأسمع أبي من الخلف يقول: "اوعى تلمسه بايدك ممكن يكون ميّت من السم اللي رشه فوق السطوح"
هكذا إذن، رفضته الطيور لأنه مسمومٌ.
من بعيد أرى الشبح مرة أخرى، لكن ضوء النهار أوضح ماهيته أكثر، إنه خيال المآتة عليه شيكارة دقيق بيضاء كبيرة.
أبتسم نصف ابتسامة وأنا أنظر بعيداً إلى شواشي الشجر...
تمت
Post A Comment: