كان الرجل ينتظر الصبى الذى لا يتعدى عمره ثمانية أعوام مستندا علي حائط بيته القديم المتهالك أبتسم بقدومه ابتسامة أغلقت عينيه المضعضتين إلا قليلا حاول أن يعتدل في جلسته أو بمعنى أصح لململة أطرافه التي خاصمت بعضها فهو أشبه بشيء ملقي علي الأرض مفرد الأرجل والذراعين كانت رقبته تميل ناحية اليمين رغما عنه فهو لا يستطيع السيطرة عليها يحاول أن يجعلها في مكانها الطبيعي يفعل ذلك بمشقه أعتقد أنه لا رابط بين أجزاء جسده أصبح كل عضو منه مستقل عن الآخر الرجل كما يقولون أكل عليه الدهر وشرب توفي ابنه بالشيخوخة، وهو مازال علي قيد الحياه اعتدل في جلسته بصعوبة شديده ، أو أنه أعتقد أو تخيل أنه فعل ذلك...
أقبل عليه الصبي اليتيم أخيرا في لهفة ،ومعه عشب أخضر فرح به الرجل يأتيه به الصبى بالقرب من شاطئ البحيرة ؛ لعلاج لتورم قدميه القعيدة منذ عدة عقود نصحه التداوي به رجل يقال أن له خيرة وباع كبير في الاعشاب.... تربط الرجل العجوز بالصبى علاقه ؛ ظاهرها جلب العشب الذي يغليه في الماء ويدهن به قدميه....... وباطنها علاقة إنسانيه بين الصبي اليتيم الذي توفت أمه، وتزوج والده من أخري تطرده من البيت فى أكثر الأوقات كي لا يشارك أولادها الطعام وما تخص به أولادها دونه .. وبين الرجل العجوز التي لا نسمح له عائلة ابنه المتوفى فكانوا بالخروج من البيت أو يأتي إليه أحد فهو محدد الإقامة إلا وقت الضحى من كل صباح عندما ترتفع الشمس معرضا قدميه لأشعتها كما أوصاه بذلك خبير الاعشاب .... كان الرجل يستعيد كثيرا من ماضيه و من حياته ونفسه وشغفه بالحياة وروحه التي فارقته منذ دهر مضى عندما يجلس مع الصبى اليتيم الذي يأتي له بالعشب ظاهريا ولكن الرجل كان ينتظر من أخبار القرية و ردود على أجوبة كان يرسلها العجوز ؛مع الصبى لمن تبقى من معارفه على قيد الحياة ... كان العجوز يقص للصبي حكايات كثيرة لا يستوعبها الصبي لصغر سنه لم العجوز يمهه أن يفهم الصغير ما يقوله وأنه كان يبدو عليه أنه أصبح أكثر سعادة بعد أن يطلق الحكايات من داخله..... وكان أيضاً ينصت بشغف لكل ما يقصه الصبى من أخبار القرية وللردود التي يحملها الصبى من أصدقائه القدامى كان يتحول ويستعيد بعض عافيته وهو ينصت بكل حواسه وكأنه يعيش حقا داخل حكاية الصبى يبدو أحيانا أنه أصبح أقل عمرا وأكثر مرحا وعاد له شيء من بريق عينيه ذهب عنها بعض الإطفاء. أما الصبى فلم يشعر بحنان بعد والدته إلا من خلال علاقته بذلك الرجل الذى يعطى الصبي أيضا بضعة قروش كلما جاءه بالعشب أستمرت العلاقة بينهم لفترة الرجل يشكو عائلته والصبى يشكو له قسوة زوجة أبيه ويخاف أيضا يشكوها فقد فعل ذلك مرات عديدة ولكن هو من كان ينال العقاب بعد تتهمه زوجة أبيه زورا وبهتانا بأشياء لا يعلم عنها والأب دائمآ يصدق زوجت ....
كان يأنس كل منهما للآخر رجل طاعن في السن يمتلك تجربة وحكمة ،الحياه فقد خبرها جيدا وخبرته وذاق حلوها ومرها ، وصبي في مقتبل العمر الصبي لم تلوثه الحياه ما زال يحتفظ ببراءته، ودهشته تجاه كل شيء . يمثل الصبي للرجل العجوز عينه الذى يرى بها العالم الخارجي فهو يأتي له بالدنيا وبالعشب لقدميه ، ويجد الصبي في الرجل الحنان المفقود في البيت بعد وفاة أمه. لا أصف لك حال الصبي عندما جاء بالعشب ذات يوم متوجه لبيت صديقه لم يجده في انتظاره فسأل عنه فقال أهل العجوز للصبي دون مراعاة لمشاعر الصبى لقد توفي صديقك ... لم ينطق الصبي بكلمة تجمد الدمع في عينيه وذهب حيث لا أحد وانفجر في البكاء لم يكن بكاء الصبي علي العجوز فقط بل يبكي فقد أمه وموتها ، وقسوة الحياه عليه وقسوة زوجة أبيه، و كان يبكى على بعض: القروش التي كان يعطيها له العجوز وجلوسه مع العجوز يبث كل منهما شكواه؛ مستندين سويا علي الحائط القديم المتهالك....
Post A Comment: