توجد شريحة كبيرة في مجتمعنا العربي بصفة عامة و المصري على وجه الخصوص تؤمن بنظرية التلبس كشعار حياة، بمعنى . اعمل كل ما بدا لك، وطالما لم تضبط متلبسًا إذن فأنت يمكنك المزايدة والتصنع والادعاء، بل وارتداء قناع الغضب حتى وإن كان من نفس الفعل الذي تقوم أنت به، الفارق فقط أن هذا الفاعل التعس تم ضبطه متلبسًا، مما يمكنك أنت حينها من أن تعدد أسباب غضبك وكيف أنك مندهش ومستغرب ومستاء، وتكاد تفقد الوعي من هول الجرم الذي ارتكبه هذا الزنديق العربيد المنفلت (لاحظ أنك تفعل نفس الفعل..لا يا هذا هو من ضبط في حالة تلبس و ليس أنا).
من هنا تبدو موازين الأحكام مختلة إلى حد كبير، مغرضة لأبعد مدى، انتقائية تخضع الأحكام فيها لنظرية قل لي ما هي قدرات الفاعل، أقل لك ما هو الحكم المستحق عليه. بل إن هناك بعض الفاعلين فكرة الإقرار بخطئهم حتى وإن ضبطوا في حالة تلبس تخضع للتبرير وقبله للإنكار، طالما هذا الفاعل له قوة بطش يخشى أغلب دعاة الفضيلة والحق والشرف والدين والعرف من أن تمسهم بعض حممها.
لذا لم يكن من المستغرب أن تمتلئ صفحات مرتادي التواصل الاجتماعي بكل ما هو ديني وتربوي وإنساني وفاضل، بينما الشارع وأماكن العمل والسكن والحركة غائبة عنهم تطبيقات أغلب ذلك الكلام الطيب، وكلمة غائبة هذه لفظ مهذب إلى حد كبير، لأنه كثيرًا ما تكون الممارسات الفعلية متناقضة مع ما تتم كتابته على وسائل التواصل الاجتماعي، و ما يتم الثرثرة به في الجلسات العامة، ولا يمكن إغفال المرافعات العاصفة في حالة وقوع حالة تلبس، ويزيد الأمر سخونة إذا كان الطرف المضبوط متلبسًا لاحول ولاقوة له، إذا فلتقام المحاكمات ولتعلق المشانق وليتم تنصيب عدد غير محدود من القضاة غالبيتهم يأتون بنفس الفعل، وربما أسوأ، وكثير منهم يصمت على أفعال مماثلة إما لقوة فاعلها أو بسبب الميل لهذا الفاعل، لكن طالما هذا الفاعل أو الفاعلة متاح ومأمون الجانب ومحدود أو معدوم الإمكانيات، إذن فهو الصيد المناسب لاختبار جميع أنواع الأسلحة وطرق القتل، ويتبارى الصيادون في الإيقاع به.
ولهذا نحن نعيش في ظل مجتمع ظالم كاذب فاجر في خصومته، متجبر متى كانت المواجهة مع ضعيف أو صاحب حاجة، يتحدثون عن الرحمة والضمير والدين فقط قطاع كبير ماهر متمكن فقط في التحدث.
و لهذا أيضا تفيض البيوت وأماكن التجمعات وفي أوقات تعارض المصالح وتناقض الأغراض بحالات السقوط المدوي للأقنعة. أقنعة التدين والرجولة والإنسانية والفضيلة والشرف وليصبح هم الجميع أن يداري عن الجميع ما يفعل، وأن يداري لما حكمه بمنتهى القسوة هناك، وحكمه في منتهى الميوعة هنا، ولنصبح مجتمعًا يمارس أغلب أفراده أمرين... الأول، إجادة الاختباء، والثاني، إجادة الادعاء. وطالما أمور الحياة لأي منا خالية من الضبط في حالة تلبس، إذن فنحن أنقياء أتقياء ولا يملك أحد أن يدعي علينا غير ذلك.
Post A Comment: