قبل أن تعج الأرض بالكُرهِ وبالوهمِ وبالسوادِ وحين كانت خاوية من الجمال وعندما كان أدم يقتات الفواكه يغرف ويشرب من أنهار العسل واللبن والخمر في الأعلى ، قبل أن يوسوس إبليس للكبير كانت قريتي جرداء شحيحة الجمال والخضرة ، قطعة من جهنم كانت وكانت غبراء قاحلة كالصحاري ، وكانت مليئة بالكائنات وبالحشرات وحوالي مليون وحش مُفترس لا يرحم ، كثيفة بحرارة الشمس والجِبال كانت تستنجد تطلب الإنقاذ نظراً لفظاعة ارتفاع درجة الحرارة التي فتت عدة أجزاء من جسد كل جبلٍ يَطِلُ على قريتنا ، وكانت الحصوات ترفع أكفها وتستغفر بصمتٍ مُهيب ، هكذا أخبرتني الحجارة المجاورة لِدارِ جدي الراحل سيف ، ثم إن غلطة أبونا أدم تلك من جعلته يعانق تُراب هذه الأرض حين وسوس له إبليس كانت بمثابة الإنقاذ ، حين قَرر الرب طرده من الجنة تكفيراً عن ذنبه الشنيع لَفلفَ أدم ثيابه وحزم حقائبهِ ثم توجهَ نحو هذه البُقعة، كان وضع في جيبِ قميصه عدة حُفنات من اخضرار الجنة وحين كان يسقط رويداً رويداً من الأعلى تشققت قميصه نتيجة كثافة الهواء فسقطت الحُفنات تلك نحو قريتنا فكانت النتيجة خُضرة زاهية وبديعة تسر الناظرين ، قطعة مُسربة من الجنة هُنا في قريتي بحيث أنها تعالج القلوبِ من كل داء مُجرد أن تحدق نحوها ، تنتشلك من عالم الوهم وتنظفك من كل بُقعة ليست ضوئية وتعود بك إلى شهقتك الأولى حين وضِعت أو بالأصح كحاجٍ أدى مناسك الطواف حول البيت العتيق حين تسرق من جمالها نظرة وتستنشق من هواءها العليل وتستمتع بتراتيلِ البلابل والطيور المُترنمة من على غُصنِ كل شجرة .
آهٍ لو أن الخُضرة هذه فتاة لكنتُ خبأتها في جيب قلبي.
Post A Comment: