أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن معنى القدوة واليوم بإذن الله عز وجل أحدثك عن القدوة من أفضل قدوة الذى قال الله عنه لقد كان لكم فى رسول الله أسوة لما إختصهُ الله به من كمالات وقوة زُينت بتواضعه وتعليمه لكل البشرية حتى أنه كان يخصفُ نعله ويرقع ثوبه
أولا القدوة الحسنة فى الإعتصام بحبل الله قال تعالى ﴿وَٱعۡتَصِمُوا۟ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِیعࣰا وَلَا تَفَرَّقُوا۟ۚ وَٱذۡكُرُوا۟ نِعۡمَتَ ٱللَّهِ عَلَیۡكُمۡ إِذۡ كُنتُمۡ أَعۡدَاۤءࣰ فَأَلَّفَ بَیۡنَ قُلُوبِكُمۡ فَأَصۡبَحۡتُم بِنِعۡمَتِهِۦۤ إِخۡوَ ٰنࣰا وَكُنتُمۡ عَلَىٰ شَفَا حُفۡرَةࣲ مِّنَ ٱلنَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنۡهَاۗ كَذَ ٰلِكَ یُبَیِّنُ ٱللَّهُ لَكُمۡ ءَایَـٰتِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تَهۡتَدُونَ﴾ [آل عمران ١٠٣]
عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : تركت فيكم أمرين لن تضلوا ماتمسكتم بهما : كتابَ وسنةَ رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الإمام مالك
فما أحوجنا إلى الإقتداء به صلى الله عليه وسلم فى إعتصامه بربه فهو الذى من تمسك به نجا ومن طلب الهدى من غيره أضله
والتمسك بحبل الله صفة المؤمنين وذخيرة الشاكرين ومتنفس الصابرين وبلوغ مراد المتأملين فى رحمة رب العالمين
ولا يوجد كتاب سماوي يحرص على لمّ شمل المؤمنين به، وتحفيزهم على التعاون والتضامن والعمل المشترك، كما يفعل القرآن الكريم، فقد تعددت وتنوعت نصوصه التي تأمر المسلمين بالوحدة، وتحضهم على التعاون على البر والتقوى، والاعتصام بحبل الله المتين.. كما يحمل كتاب الله تحذيرات الخالق سبحانه لكل المسلمين- حكاماً ومحكومين- من الخلافات والصراعات التي تعصف بوحدتهم، وتضعف قوتهم، وتجعلهم فريسة لكل الطامعين والمستغلين، كما هو حادث الآن. قال تعالى ﴿وَلَا تَكُونُوا۟ كَٱلَّذِینَ تَفَرَّقُوا۟ وَٱخۡتَلَفُوا۟ مِنۢ بَعۡدِ مَا جَاۤءَهُمُ ٱلۡبَیِّنَـٰتُۚ وَأُو۟لَـٰۤىِٕكَ لَهُمۡ عَذَابٌ عَظِیمࣱ﴾ [آل عمران ١٠٥]
ويوم يلتزم المسلمون بما تحمله نصوص القرآن من أوامر إلهية بالعمل الجماعي ويتغلبون على خلافاتهم وصراعاتهم فسيكونون بحق خير أمة أخرجت للناس، وستهابهم كل الأمم، وستكون لهم كلمة مسموعة ومواقف تحترم
فقد أمر القرآن الكريم المؤمنين أن يعتصموا بحبل الله جميعا، وفي هذه الدعوة توضيح للأساس الذي تنهض عليه هذه الوحدة، وهو تقوى الله والاعتصام بكتاب الله تعالى، ووضح القرآن هذا الأساس محذرا من التفرقة، لما لها من أخطار محدقة، وذكر سبحانه وتعالى هذه الأمة بما كان عليه الأوس والخزرج قديما، حيث استمرت الحروب بينهم مئة وعشرين سنة، حتى جاء الإسلام فأخمدها وجمعهم على الحق وألف بينهم.
الفرق بين الإعتصام بالله والإعتصام بحبل الله
الاعتصام بالله من صفات المؤمنين وقال الامام ابن القيم رحمه الله فى مدارك السالكين هناك نوعان للاعتصام بالله : اعْتِصَامٌ بِاللَّهِ ، وَاعْتِصَامٌ بِحَبْلِ اللَّهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا ” وقال : “ واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ”
وَالِاعْتِصَامُ افْتِعَالٌ مِنَ الْعِصْمَةِ ، وَهُوَ التَّمَسُّكُ بِمَا يَعْصِمُكَ ، وَيَمْنَعُكَ مِنْ الْمَحْذُورِ وَالْمَخُوفِ ، فَالْعِصْمَةُ : الْحِمْيَةُ ، وَالِاعْتِصَامُ : الِاحْتِمَاءُ ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ الْقِلَاعُ : الْعَوَاصِمَ ، لِمَنْعِهَا وَحِمَايَتِهَا .
وَمَدَارُ السَّعَادَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْأُخْرَوِيَّةِ عَلَى الِاعْتِصَامِ بِاللَّهِ ، وَالِاعْتِصَامِ بِحَبْلِهِ ، وَلَا نَجَاةَ إِلَّا لِمَنْ تَمَسَّكَ بِهَاتَيْنِ الْعِصْمَتَيْنِ .
فَأَمَّا الِاعْتِصَامُ بِحَبْلِهِ فَإِنَّهُ يَعْصِمُ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَالِاعْتِصَامُ بِهِ يَعْصِمُ مِنَ الْهَلَكَةِ ، فَإِنَّ السَّائِرَ إِلَى اللَّهِ كَالسَّائِرِ عَلَى طَرِيقٍ نَحْوَ مَقْصِدِهِ ، فَهُوَ مُحْتَاجٌ إِلَى هِدَايَةِ الطَّرِيقِ ، وَالسَّلَامَةِ فِيهَا ، فَلَا يَصِلُ إِلَى مَقْصِدِهِ إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ لَهُ ، فَالدَّلِيلُ كَفِيلٌ بِعِصْمَتِهِ مِنَ الضَّلَالَةِ ، وَأَنْ يَهْدِيَهُ إِلَى الطَّرِيقِ ، وَالْعُدَّةِ وَالْقُوَّةِ وَالسِّلَاحِ الَّتِي بِهَا تَحْصُلُ لَهُ السَّلَامَةُ مِنْ قُطَّاعِ الطَّرِيقِ وَآفَاتِهَا .
فَالِاعْتِصَامُ بِحَبْلِ اللَّهِ يُوجِبُ لَهُ الْهِدَايَةَ وَاتِّبَاعَ الدَّلِيلِ ، وَالِاعْتِصَامُ بِاللَّهِ ، يُوجِبُ لَهُ الْقُوَّةَ وَالْعُدَّةَ وَالسّلاح
واعْتِصَامُ بِهِ فَهُوَ التَّوَكُّلُ عَلَيْهِ ، وَالِامْتِنَاعُ بِهِ ، وَالِاحْتِمَاءُ بِهِ ، وَسُؤَالُهُ أَنْ يَحْمِيَ الْعَبْدَ وَيَمْنَعَهُ ، وَيَعْصِمَهُ وَيَدْفَعَ عَنْهُ ، فَإِنَّ ثَمَرَةَ الِاعْتِصَامِ بِهِ هُوَ الدَّفْعُ عَنِ الْعَبْدِ ، وَاللَّهُ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا ، فَيَدْفَعُ عَنْ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ إِذَا اعْتَصَمَ بِهِ كُلَّ سَبَبٍ يُفْضِي بِهِ إِلَى الْعَطَبِ ، وَيَحْمِيهِ مِنْهُ ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ الشُّبُهَاتِ وَالشَّهَوَاتِ ، وَكَيْدَ عَدُوِّهِ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ ، وَشَرَّ نَفْسِهِ ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ مُوجِبَ أَسْبَابِ الشَّرِّ بَعْدَ انْعِقَادِهَا ، بِحَسَبِ قُوَّةِ الِاعْتِصَامِ بِهِ وَتَمَكُّنِهِ ، فَتُفْقَدُ فِي حَقِّهِ أَسْبَابُ الْعَطَبِ ، فَيَدْفَعُ عَنْهُ مُوجِبَاتِهَا وَمُسَبِّبَاتِهَا ، وَيَدْفَعُ عَنْهُ قَدَرَهَ بِقَدَرِهِ ، وَإِرَادَتَهُ بِإِرَادَتِهِ ، وَيُعِيذُهُ بِهِ مِنْهُ.
ألا فلتكن لنا القدوة الحسنة لسيد الخلق وحبيب الحق قدوة وإتباعا وإلتزاما حتى نكون كما أرادنا الله خير أمة أخرجت للناس وفقنى الله وإياكم للإعتصام بالله وحبله المتين واعاذنى وإياكم من الشيطان الرجيم .
Post A Comment: