ختل:
أسوأ ما يمكن فعله، خفض أعمال العنف من المحتل كي يتحقق له الهدوء وتوطئة أكثر لأقدامه مستغلا انشغالهم بما ألقاه لهم، عودة سعد من النفي وخروج المعتقلين وإلغاء الأحكام العرفية، عناوين براقة ولكنها جوفاء، قضت في الوقت ذاته بعدم أحقية المصريين في المطالبة بالتعويض عما لحق بهم من أضرار في الأرواح والممتلكات ولكن للانجليز والأجانب بعامة الحق في الحصول على تعويضات جسيمة أكثر مما يستحقون على إنهاء خدمتهم من الخزانة المصرية بمقتضى قانون المعاشات.

الوزارة الوفدية:
نجح الوفد في الانتخابات وتألفت أول وزارة وفدية برئاسة سعد الذي ما فتيء يذكر من آن لآخر على منبر البرلمان أحقية مصر في السودان وتم منع ما كان يدفع من الخزانة المصرية لجيش انجلترا وتم حذف 14.000 جنيه كانت تدفع جمارك لمهمات وذخيرة الجيش المصري بالسودان وتم زيادة ميزانية وزارة المعارف 100.000 جنيه لبناء مدارس جديدة ولسن قانون التعليم الإجباري.

عودة للمفاوضات فقد خاض سعد مفاوضات جديدة مع رمزي ماكدونالز رئيس وزراء انجلترا لتنال مصر استقلالها التام ولكن المحتل عقيدته لا تتغير فقد باءت المفاوضات بالفشل، أعقبها مقتل السيردار سيرلي ستاك قائد القوات الانجليزية بمصر ورغم أن الحكومة لم يكن لها يد في ذلك فإن انجلترا مارست العقاب الجماعي لمصر كلها وحصلت على تعويضات تعسفية فادحة، وفي مذكرات سعد زغلول كتب أن المخابرات الانجليزية كانت تعلم بما يدبر لستاك في هذا اليوم الذي كان ينوي فيه السفر للسودان وهم من طالبوه بأن يرجئ سفره والتعويضات التي طالبوا بها كانت معدة سلفا قبل الحادث باعتراف اللورد اللينبي، مما يؤكد هذا ما تلا هذه الحادثة، فقد ذهب اللورد الجديد في مظاهرة عسكرية يسبقه مائتان وخمسون جنديا مدججون بالسلاح إلى مجلس الوزراء وقرأ على سعد إنذار شديد اللهجة باللغة الانجليزية مفاده:

أن تمنع وتقمع الحكومة المصرية أي مظاهرة سياسية.

أن تدفع الحكومة المصرية لملك انجلترا مبلغ 2/1 مليون جنيه في الحال.

أن يسحب الجيش المصري من السودان (هاجسهم وشغلهم الشاغل فصل السودان عن مصر)

أن تزاد مساحة الأرض المزروعة بالسودان من ثلاثمائة ألف فدان إلى مساحة غير محدودة (لأنهم هم من يأخذون هذه المزروعات).

أن تعدل الحكومة المصرية عن الاعتراض على أي شيء يخص المصالح الأجنبية بمصر.

استقالة سعد زغلول:
بات واضحا لسعد تآمر انجلترا عليه فقدم استقالته وقام الانجليز بتعيين أحمد زيور باشا (أبو رغال) والذي قبل بكل أفعال انجلترا دون قيد أو شرط، ورغم انتهاء الأحكام العرفية ولكن هيهات فالدفاتر دفاترهم والقوانين مطاطة، فتم القبض على بعض أعضاء النواب وحل المجلس ثم تم اجتماع المجلس الجديد بعد أن توقف انعقاده شهرا، وألقى الملك بنفسه في مرج العمل السياسي فتم إنشاء حزب الاتحاد الموالي للسراي وبذلك أصبح في مصر أربعة أحزاب وهي الوفد، والأحرار الدستوريون، والحزب الوطني، والاتحاد، تتصارع فيما بينها على الكرسي، فلا يملك القارئ لهذا الخرف سوى رفع القبعة للاحتلال الذي نجحت خطته للإلهاء بينما هو الحاكم المتحكم في كل صغيرة وكبيرة.

في عام 1925 تم انتخاب برلمان جديد، وانتخب الأعضاء سعد زغلول رئيسا والأربعة التاليين له من سكرتارية ووكلاء كانوا من حزب الوفد فأسقط ذلك في يد حكومة أحمد زيور والانجليز لأن زيور أيقن أنه لن يحوز على ثقة هذا المجلس وهو الخادم المطيع للانجليز فاستصدر الملك أمرا بحل هذا المجلس الذي لم يستمر أكثر من يوم.

 (وهذا السلوك يعني أن القوانين والدساتير وما يستجد من مسميات ليست إلا حبر على ورق، وأنهم يأكلون صنم العجوة وقت الحاجة)

أمعنت الحكومة في مطاردة المناوئين للاحتلال ومصادرة الاجتماعات ببيت الأمة (بيت سعد زغلول) والقبض عليهم وتلفيق التهم المعدة لهم وتشديد القبضة الأمنية على أصحاب الصحف والكتاب إرضاء لانجلترا، وقدم اللورد اللينبي استقالته وخلفه اللورد جورج لويد الذي ارتأى نفسه خليفة اللورد كرومر في فكره وعلى نهجه سار بالبلاد ولم يقدم أوراق اعتماده كمندوب سامي رافضا الاعتراف باستقلال مصر ولو شكلا عن انجلترا، فابتلعت الحكومة هذه الإهانة ولم تبد أي اعتراض، وتنازلت الحكومة عن واحة جغبوب لإيطاليا امتثالا لأوامر انجلترا بما يعني أن الملك والحكومة ليسوا إلا دميا بلاستيكية بيد انجلترا.

كرة الثلج:
تضخمت، تم إقالة وزارة زيور وتعيين وزارة عدلي يكن ثم وزارة ثروت وهذا فقط في عامين، ثم حدثت أزمة الجيش الذي عمل المحتل على إضعافه بتقليل عدده وضعف تسليحه وجعل قادته من الضباط الإنجليز.

تقدمت الحكومة للبرلمان بعدة مقترحات تقضي باستقلال الجيش تماشيا مع استقلال مصر المعلن وعدم خضوعها للحماية البريطانية، أما مقترحات الحكومة تقضي بإلغاء منصب السردار وتحسين أسلحة الجيش وترقية التعليم في المدرسة الحربية وتعديل قانون مجلس الجيش بحيث يكون لا يكون المفتش الانجليزي العام عضوا فيه، بالطبع رفض المندوب السامي هذه المقترحات بمذكرة مفادها أن يبقى الحال على ما هو عليه مما يعني أن هذا الاستقلال شكلي لا قيمة له ولا وزن ثم قامت الحكومة البريطانية بإرسال لمصر ثلاث بوارج حربية كنوع من استعراض القوة المرئي لمن تسول له نفسه ويفكر التخلص من ربقتهم، والمفاوضات تلو المفاوضات كانت تفشل لأن انجلترا في كل مرة كانت تصر على الاعتراف بشرعية وجودها بمصر وأحقيتها في التدخل في شئونها وأنها القابضة والباسطة سيطرتها على كل شيء.

معاهدة 1936:
حوت هذه المعاهدة الكثير من العيوب والتي تطعن في مصداقية المفاوضين من الجانبين، فانجلترا كانت حريصة على أن تبقى صاحبة اليد الطولى في مصر والجانب المصري تهلل بالفتات الذي يبطن استخفاف مهين بهم وبمصر كلها ومن ضمن بنودها:

السماح للجيش الانجليزي باحتلال منطقة قناة السويس وشبه جزيرة سيناء والجزء الجنوبي والغربي من محافظة الشرقية وتصل إلى حدود محافظة القاهرة ثم حدود محافظة الجيزة.

السماح للقوات البريطانية بالطيران وقتما تريد فوق الأراضي المصرية وكذلك سمحت انجلترا لقوات الطيران المصري بالطيران فوق الأراضي البريطانية، فأي استخفاف بالعقول أكثر من هذا؟!

هذه المعاهدة لم تكن أكثر من تحسين شروط الانصياع لحكم انجلترا وتجديد الاعتراف بسلطتها على مصر، انجلترا تتقاسم الأراضي المصرية مع المصريين فلماذا سماها النحاس «معاهدة الشرف والاستقلال»؟

وللحديث بقية إن شاء الله






Share To: