الاسلوب واللغة وزوايا النظر والمنهج هي أهم مايميز روايات الكاتب التونسي الأمين السعيدي،فطريقته في حبك النص لا تشبه غيره في جميع تفاصيلها.
ينطلق من حدث بسيط ومعتاد وسرعان ما تتأجج الأحداث فتأخذ منحى عنيف مرهق،متعب...ولكنه ممتع... لأنه يخالف كل توقعات القارئ...
نص ضجيج العميان هو نص متهكم،يطرح المحظور بأسلوب نقدي طريف،فكل تجربة حسية تغلبت فيها الشهوة على المنطق العام للاخلاق كان جزاء صاحبها الحرمان من متعة الحياة،البطل يفقد حبيبته ويحرم
من السعادة ويدخل في فوضى الندم والحيرة حتى اضحت حياته خراب،ولكنه يحاول ارشاد المجتمع وتصحيح مسار الإنسانية.
شخصية كريم كانت مثال للغباء والخيانة والانتهازية
فيتقرب من السلطة ويتزوج ابنة الوالي ويترك حبيبته بعد أن انجبت منه طفلا...يكبر الطفل ابرهيم فيجد نفسه ضحية الشهوة الحيوانية،انه ابن التوحش والخضوع؛توحش إبيه وخضوع امه...
منذ بداية المتن تعشق ايناس أمين وبذلك يحدث التجديد والثورة،فالكاتب يدخل في صلب الموضوع دون مقدمات أو ما يسمى(بالبداية الهادئة)
ثم تتداخل الأحداث وتأخذنا القصص الفرعية الى متاهات اخرى أعماق من القصة الرئيسية !
يثور الكاتب على التقاليد في الأدب وعلى التقاليد الاجتماعية الموروثة والسنن التي ترسمها العامة منهجا للحياة...
ضجيج العميان نص محكم طريف البناء،متسارع الأحداث،يتراوح بين الرومانسية والواقعية.
يتحكم الراوي في الأحداث ويسير الشخصيات نحو الرذيلة ثم يتراجع ويترك الشخصية لوحدها وكأنه يريد ان يقول للمتقبل: سيجد نفسه وحيدا في بحر من المشاكل والمأسي كل من فكر فقط في شهواته ضاربا عرض الحائط بالاخلاق والقيم...
كذلك يطرح السعيدي صراع المثقف مع عامة الناس ومع السلطة...
فكان عمار نموذجا لمعاناة المثقف بين هذا وذاك،ولكنه ابدا ما استسلم،حتى انه في الأخير يطلب الموت ويذهب إليه وهو رمز للقوة والارادة وحرية الاختيار...
كانت رواية"ضجيج العميان"أول منجز للروائي التونسي الأمين السعيدي.
أما رواية"المنفى الأخير"فهي المنجز الثاني،وهي رواية ذهنية طريفة قدم من خلالها رؤيته لما يجب ان يكون في السياسة والاخلاق والسعادة...
بنيت الأحداث بنظام فلسفي اسند فيه الحكم للمثقف حتى يعم العدل والمساواة وينتهي الظلم والحيرة والعجز.الرمز والتضمين والتصريح أحيانا...كانت وسائل الامين السعيدي لنقد واقعة وطرح البديل...
فالشخصية البطل"وردة"تقود الأحداث حيث يريد الراوي،اما شخصية "النور"فهي شخصية مركزية ترتبط بها كل الأحداث،فتطرح الاشكاليات وتوجد الحلول بجميع القضايا الاجتماعية...وان كان الزمن مقيد بين ليل ونهار فأن المكان مفتوح لا يتعرف بالحدود وهذا أهم مظاهر التجديد في الرواية العربية...
تختلف رواية"المنفى الأخير"تمام الاختلاف عن رواية "ضجيج العميان"وكأن الكاتب قطع مع كل قطع حين انتقل من منجز الى آخر...
في حين كانت روايته"ظل الشوك"نص مختلف لا تربطه بالنظام السردي العربي القديم أي دلالة...
نص مختلف اسلوبا ولغة ومنهجا...فالبطل "بشير"شخصية متعددة،تلهث وراء الثراء وعندما تصل إليه تتركه وتغادر وكأن المتعة في الرحلة لا في الوصول! اما "هنية"رغم انها امراة بدوية فقيرة ألا أن ثقافتها تعادل ثقافة ابنة المدينة أو اكثر ،بل انها تتميز عنها بكثرة التجارب وعمقها...
أما"يسرى"فهي ابنة المدينة التي يتصارع في ذاتها الخير والشر ولكنها في النهاية تنتصر للإنسانية والعدل ضد رئيس الحكومة،مع ابناء الشعب...
في حين لعبت الشخصيات الحيوانية دورا مهما في إثارة الجمال والحس والقيم القديمة؛فالحمار لم يعد رمزا للغباء،بل اصبح رمزا للوفاء والديك يأخذ وضيفته المتوارثة المتمثلة في ايقاض الناس في عصر التطور التكنلوجي وكأن الامين السعيدي يريد ان يقول:ايتها المدينة المعاصرة ان الريف مازال لم يتمكن من وسأل العصر ومع ذلك متحضر،له ثقافته الخاصة،المبنية على احترام الانسان...
رواية "ظل الشوك"كانت مختلفة في كل التفاصيل وهو المنجز الثالث في مسيرة الروائي التونسي،الشاب الأمين السعيدي.
Post A Comment: