المقدمة:
يا صباح الخير ياللي معانا ياللي معانا...الكروان غنى وصحانا وصحانا
يا صباح الخير ياللي معانا ياللي معانا...الكروان غنى وصحانا وصحانا
يا صباح الخير ياللي معانا ياللي معانا...الكروان غنى وصحانا
والشمس أهي طالعه وضحاها...والطير أهي سارحه فى سماها
يالا معاها يالا معاها يالا معاها...يا صباح الخير يا اللى معانا ياللي معانا
يا هناه اللى يفوق من نومه...قاصد ربه وناسي همومه
يا هناه اللي يفوق من نومه...قاصد ربه وناسي همومه
يفرح قلبه .. يسعد يومه(بيرم التونسى)

لعل السر خلف كتابتي لهذا المقال غير أننى متخصص فى كل ما له علاقة بالحركة الأدبية، هو أن والدتى من عائلة السماحى وفى  كفرالشيخ بالفعل قهوة السماحى. ولا عجب فى أن تعلم أن مؤلف "ليالى الحلمية" الأستاذ اسامه أنور عكاشة من كفرالشيخ أيضاً. فما دور المقاه فى الحركة الأدبية؟ دعونا نستعرض بعض الأفكار الخاصة بهذا. فالمقاه كانت دكاكين للثقافة. وغياب دورها الأدبى والثقافى والسياسى يتلخص فى كارثة غياب النميمة الأدبية.

المحتويات:
1- روح العراقة فى المقاهى القديمة
2- كيف تستثمر وقتك فى المقاه؟
3- تحريم القهــوة
4- بدايات ظهور المقاهى
5- كيف جذبت المقاه  الشعراء والأدباء؟
6- فنانين عظماء
7- بين الأمس واليوم
8- الغوازى والعوالم
9- الخاتمة

روح العراقة فى المقاهى القديمة

كان فى الماضى راديو عتيق هو مصدر الصوت  الوحيد الجميل الذى ينصت له  كل من فى المقهى، فتسمع منه أيات الله الكريمة ، ومنه طرب الست أم كلثوم العريقة ومنه نشرة الأخبار. وكأن هذا الراديو الخشبى العتيق هومركز الكون ومحوره, لكن بالطبع الأن الأمر مختلف تماما فى ظل شبكات التواصل الإجتماعى وشاشات العرض الضخمة .  
ففى الماضى كانت المقاهى صالونات للأدب والنقاش. وكانت ملتقى أدبى وثقافى وسياسى أيضاً. فكثيراص ما شهدت أمسيات شعرية. وخطب سياسية عصماء. فكانت المقاهى  البيت الثانى  لنجيب محفوظ وأمل دنقل ويوسف إدريس المخرجين الراحلين صلاح أبوسيف ويوسف شاهين والممثلة عقيلة راتب وزوجها الملحن والمطرب حامد مرسي، والفنانين حسن سليمان وحسين بيكار وغيرهم من السّاسة المعروفين.
كيف تستثمر وقتك فى المقاه؟
ففى المقاه يمكنك أن تستثمروقتك وثقافتك، لأنك ببساطة  يمكنك أن تستفيد من تجارب الناس حولك حين تستمع لأحلامهم ومشاكلهم. 
كان هذا دور المقاه  حيث خلقت جيل عاشق للقراءة ومساعدة الأخرين. ولكن هل كل جيل يصلح لأن يقود  ويُكمل المسيرة الثقافية والأدبية والسياسية للمقاه؟ هل ربينا أبنائنا على تولى المسئولية وحب العلم والثقافة؟ للأسف القليل منهم يُقدر قيمة الوقت والمعرفة. بينما غالبية شبابنا يتعجل كل شىء ويمل من كل شىء و يصبر على  لا شىء.
وهناك جو رائع بديع حيث تجد من يقرا نصوصاً قصصية أو قصائد أو مقاطع من روايات، وجو يُلقي الضوء النقدي على تلك الأعمال في جو حميمي. فالمقاه هى برلمان شعبى يمثل المهمشين والمتميزين، فيه كل طبقات وصنوف الشعب. جنة لمن أعتاد عليها حيث تحظى بحرية منظمة ومهذبة.
تحريم القهــوة
وقديماً في بلاد المسلمين حرم الفقهاء تناول القهوة وارتياد المقاهي، ذلك أن القهوة مفسدة للعقل والمقاهي مكان لتردي الاخلاق، انتقلت عدوى التحريم إلى مصر فتعرضت المقاهي في القرن الخامس عشر إلى هجوم لاذع وتحول رواد المقاهي إلى منبوذين. لم تكن أوروبا بمنأى عما تناوله العرب حول أضرار شرب القهوة، لكن تناول القهوة  والعشق بها  اقتحم قصور ملوك اوروبا ومساكن الناس في الإمبراطورية العثمانية.
بدايات ظهور المقاهى
 في القاهرة ، كانت البداية في الأسواق، يطوف الباعة بين أصحاب المحالات الذين لا يتمكنون من مغادرة محالاتهم ثم تطوّرت الفكرة إلا أن أصبح للموقد مكانا ولشاربين مجلسًا يجلسون فيه يثرثرون ويحتسون أقداحًا من القهوة.
وعن دمشق كتب جون تيفنون في ملحق رحلته إلى المشرق: «إنّ كلّ المقاهي رائعة، فيها عدد من النّافورات وهي قريبة من الأنهار والأماكن الظليلة والورود والأزهار، تسودها أجواء الطراوة والراحة».
 كانت المقاه هى  الملجأ الأمثل للسّاسة والثوريين وللمثقّفين والكتّاب والشّعراء والموسيقيين فانتشرت أفكار الساسة بلا رقيب وخطّط الثّوار لثوراتهم وصدح الشّعراء بأشعارهم أمام عشاقهم وكتب الصّحافيون مقالاتهم ونسج الروائيون شخوص وأحداث روايتهم وعزف الموسيقيون ألحانهم ووجد العامّة في المقاهي مكانا ملائمًا للتسلية فاجتمعوا يلعبون الشطرنج أو النّرد.
وفى بغداد يُذكر أن مقهى الزهاوي كان المكان الأكثر شهرة ففيه كتب الشاعر والفيلسوف جميل صدقي الزهاوي مقالاته في نقد شعر العقاد ومنه انتقلت نقاشات الرجلين الحادة على صفحات الجرائد، يقبل عليها المصريون والعراقيون بنهم وفي ذات المقهى كان يحتد النقاش بين الزهاوي والرصافي الذي كان ينهي النقاش بالمغادرة إلى مقهى عارف اغا محاطا بتلاميذه ومحبيه
. وحتى فى باريس أخذت مقاهٍ أسماء كتاب مشهورين أمثال فكتور هيغو وماركيز وغيرهم. وفي باريس بلغ صيت المقاهي خارج حدود فرنسا، بفضل نوعية الأدباء والكتّاب الذين دأبوا على التردد عليها، والذين اتخذوا منها فضاءات للنقاش، ظهر مصطلح المقاهي الأدبية في فرنسا أول مرة في 1830 ليصف الإجتماعات الثقافية في مقهى «الميراج».
ما أجمله من مكان يشع بالنور والثقافة والأدب وباب رزق للعمال والكادحين. فيه كانت تتناغم الأفكار وأمامه عربة الفول المدمس يتهافت عليها من كل فئات الشعب من عمال وفلاحين وطلاب علم. ترى وتقابل وتسمع همس المتعلمين وتنتفع من ثرثرة المهمشين فتنتج فكراً . وتتبلور الصورة أمامك مع الفكرة فتبدع فى خلق عمل أدبى فذ أو ربما لوحة فنية أصيلة صادقة. المقهى يا سادة كانت ملتقى حضارى ومنتدى ثقافى.
ويحكي الكاتب والروائي الراحل جمال الغيطاني عن تاريخ المقهى المهم الذي ضم مجلسه روادا، غيّروا تاريخ مصر، فمنهم من قاد الثورة العرابية، ومنهم من تزعم ثورة 1919، ومنهم من حملوا مشاعل التنوير لإلحاق مصر بعصر الحداثة والتطور.وعن المقاه كتب الكثير من الأدباء مثل الكاتب كامل رحومة فى كتابه «المقاهي الثقافية في العالم».
كيف جذبت المقاه  الشعراء والأدباء؟
المقاه مكان تعتاد الذهاب إليه وكأنك أدمنته. فتنظر هنا  فترى هذان المتجاوران، سوريان قد حملا إلى مصر بذور الثقافة الحديثة، وهما أديب إسحق وسليم النقاش. وتنظر هناك فترى هذا الرجل المفتول الشوارب هو محمود سامي البارودي الشاعر ورب السيف والقلم الذي لعب لاحقاً دوراً رئيسياً في الثورة العرابية ثم صار رئيسا للنظار. وستجد خلفك هذا الشيخ الشاب القصير هو الشيخ محمد عبده مفتي الديار لاحقاً وأحد المجددين.أما الطالب الأزهري طويل القامة، فهو سعد زغلول الذي سيدفع به القدر إلى قيادة ثورة أخرى بعد عشرات السنين غيرت من شكل الحياة السياسية في مصر، وسيصبح أول رئيس ورزاء منتخب ومفوض من الشعب.
جيل تربى على قبول واحترام الرأى الأخر. جيل تعلم فن الحوار والإقناع ولما لا؟ وهم أدباء وساسة العصر: جمع غفير منتخب ومنتقى من بلاد شتى عبد الله النديم وإبراهيم اللقاني وعبد الرحمن الكواكبي والشيخ عبد العزيز البشري وقاسم أمين والشيخ فهيم قنديل صاحب جريدة عكاظ وعبد السلام المويلحي وإبراهيم الهلباوي أول نقيب للمحامين وإبراهيم المازني وعباس العقاد وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وطه حسين والحبيب بورقيبة الرئيس التونسي السابق.
فنانين عظماء
ومن الفنانين الذين أمتهنوا مهنة القهوجى حسب تصريحاتهم جميل راتب حماده هلال،علاء مرسى،اسماعيل يس وسامح حسين. وعبد المنعم مدبولى الذى أكتشف موهبته صاحب مقهى بأحد شوارع المدرسة التى كان مدبولى تلميذاً فيها. 
بين الأمس واليوم
المقاه كان له دور نافع ، وليست كما هى الأن مجرد مهرب من مسئوليات الحياة : مسئوليات  كزوج، ضغوط العمل، ضغوط المذاكرة أو الحب أو هروباً من السلطة الأبوية. شخصية القهوجى نفسها تختلف من شخص لأخر فمنهم الحساس والعشرى أو الحشرى والموسوعه المتنقلة، منهم المشغول ومنهم الحبوب. إنه حقاً عالم لذيذ وأُناس ظرفاء.

 ففى فرنسا جان بول سارتر وسيمون دى بوفوار وفى ألمانيا كان يجلس نابليون بونابرت فى قهوة أبولدا وكتب جوته رائعته فاوست فى قبو أولباخ وفى لندن لا تزال المقاهى منذ العصر الفيكتورى تعلق صور العظماء الذين إرتادوها أمثال لورد بايرون وشيللى وغيرهما .

وقد مُنِعَ الدخان أول الأمر فى بر مصر وتم تهديد شاربه بتطبيق عقوبة الإعدام عليه ثم خفف هذا الحكم وتم الإكتفاء بعقوبة خوزقة شاربى القهوة والدخان .

وبمرور الزمن أصبح إرتياد القهاوى مباحا لكل طبقات الناس ووجدت إلى جانب القهاوى العامة قهاوى لفئات وطوائف ومهن معينة فهناك قهاوى لعلماء الأزهر والمشايخ العلماء وهناك قهاوى للأفندية أصحاب الطرابيش من الموظفين كما وجدت قهاوى لأصحاب الحرف والمهن المختلفة كعمال المعمار والمنجدين والنجارين والموسيقيين وغيرهم بيد أن الطبقة العليا فى المجتمع المصرى لم تكن تبيح لنفسها إرتياد القهاوى العامة وكانت ترى فى ذلك إنتقاصا من هيبتها ووقارها ولاحظ ذلك علماء الحملة الفرنسية وسجلوه فى كتاب وصف مصر. 

وكان نادرا أن تخلو المقاهي من فن من الفنون السائدة وقتئذ وهى السير الشعبية التى يرويها شاعر الربابة والرقص والغناء وألعاب خيال الظل وفنون الأدباتية التى كانت تقدم بأسلوب زجلى وكان بيرم التونسى أول من جعل من الأرغول فنا مكتوبا فى علم 1924م .

الغوازى والعوالم
وكان الرقص من الفنون التى تقدم فى القهاوى بالإسكندرية مرورا بالدلتا وحتى القاهرة من خلال الغوازى والعوالم والفرق بينهما فى درجة الإحتشام والثقافة فالعالمة كانت تسلك سلوكا أكثر وقارا وهى تتميز بأن لها علم بالموسيقى والألحان والعزف على العود وأحيانا كانت تحفظ العالمة بعض القصائد والأشعار التى تقوم بغنائها إطرابا للمستمعين فضلا عن الرقص طبعا أما الغازية فهى تخاطب غرائز الرواد فقط ويصحبها أحيانا شخص يسمى الخلبوص يأتى بحركات خليعة أثناء الرقص وبعض الإفيهات الجنسية ومن أشهر هذه الرقصات رقصة النحلة . وقد أمر محمد على باشا بمنع هذه الرقصة من قهاوى القاهرة.

فى مصر  كان يوجد مقهي يعد من أغرب القهاوى  فى حارة تسمي حارة حلقوم الجمل بالأزهر وعرفت بصراع الديوك الهندية وهو فن غريب وغير مألوف يشبه مصارعة الثيران فى أسبانيا ونطاح الكباش بشمال أفريقيا والشام . ونتيجة لكثرة الشجار والمشاحنات والحوادث بين المتراهنين وأصحاب هذه الديوك منعت الحكومة المصرية صراع الديوك بالقهاوى .

الخاتمة
وكان للمقهي وجود كبير في السينما والدراما المصرية . وكلنا يتذكر قهوة السماحي التي كانت بمثابة منبر فكرى وسياسي وطني لجميع الطبقات سواء قبل ثورة عام 1952م أو بعدها .






Share To: