التباعد الإجتماعي في حقيقتها عبارة أعمق من أن تكون مجرد عنوان لسياسة صحية تتوخى حماية المواطن داخل الخلية الإجتماعية التي ينتمي إليها، لأننا عندما ننظر إلى بداية ظهور التعاقد الإجتماعي حيث انتقلنا من النظام الطبيبعي، الى نظام قائم على التعاقد المشترك بيننا لتسهيل طرق التواصل وتوحيد آليات التعايش، نجد أن كون الإنسان رافضا لفكرة الطبيعة وسيطرتها واختياره لهذا النظام الجديد، أمر يفرض عليه التعايش مع الأخرين في إطار مجتمعي قوي ومتماسك، لكن وفي نفس السياق يتضح تغير هذه الرؤية البشرية لطريقة التعايش، لأننا في قلب عصر جديد عصر ما بعد النهضة إن صح التعبير، العصر الذي يقودنا الى اكتشاف طرق جديدة للعيش في غنى عن الآخرين، واقترابا من الموضوع أكثر سننفتح على مثال الأسر في عهد الهاتف الذكي، وسنطرح سؤال مهما، هل اصبحنا نعيش في عائلات فعلا؟ هل لازالت نفس اللمة العائلية تجمعنا ونحن داخل الخلية المجتمعية المسماة بالأسرة؟
الجواب على هذا السؤال يستدعي نماذج كثيرة من المواقف التي اصبح الهاتف سيد الموقف واصبح مسيطرا على البشر بعدما كان هذا الاخير هو المسيطر عليه في اولى مراحل التصنيع، فقد اصبح لدينا نوع من الاكتفاء الذاتي بعيدا عن حديث الأشخاص من حولنا، وبعيدا عن الواقع الحقيقي يختار العديد منا تصفح العالم العنكبوتي بشكل مفرط ناسيا او ربما متناسيا أمر الواقع الذي لا مفر منه في نهاية المطاف، لذا فإن هذا النوع من النفور (التباعد) الذي حدث بين الناس وإن كانوا جلوسا في مجلس مشترك، أو حول مائدة الطعام في المنزل، أصبح كل منا يخلق عالمه بشكل منفرد، ولم نعد بحاجة ماسة الى التعاقد الإجتماعي بقدر ما اصبحنا نفضل التباعد الاجتماعي المعنوي وليس التباعد الجسدي كما جاء في تدابير وزارة الصحة، فإذا كان هذا الأخير يحمي من إنتشار فيروس قاتل، فالنوع الآخر يحرم الأشخاص من لقاح مفيد في تحريك عجلة الحياة السليمة وهو الحوار.
الحوار بمثابة جرعة تعيد الحياة لكل فرد مع جماعته، لكن معدي للكثير من الأشخاص الذين يعيشون فترة اكتئاب او مقدماته دون شعور، فقط يكفي إخراج هذه الفئة من منطقة راحتها العمياء ليتمكنوا من مشاهدة الحقيقة كما هي.
ختاما يجب الإشارة إلى كون نظام التعاقد الإجتماعي نظاما شكل سياسة تعايشية لكنه مهدد في الآونة الأخيرة، لذا ألم يحن الوقت لسن تعاقد جديد؟ أم أننا بحاجة إلى تقوية دعائم نظامنا هذا؟








Share To: