فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "الْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ"

من فضل الله سبحانه أن شرع لأمته أذكار يسيرة ذات أجور عظيمة، تُحيي القلوب ، وتقوي صلة العبد بربه وتورث في قلبه الطمأنينة.

قال تعالى :

وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا .

اختلف أهل العلم في تعيينها على النحو التالي:

• قيل :

إنها كل عمل صالح من قول أو فعل يبقى للآخرة.

• وقال جمهور أهل العلم :

هي الكلمات المأثور فضلها:

" سبحان الله والحمد لله ولاإله إلا الله والله أكبر ولاحول ولاقوة إلا بالله".

ويؤيد هذا القول قوله ﷺ:

خذوا جنتكم من النار ، قولوا : سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، فإنهن يأتين يوم القيامة منجيات ومعقبات،وهن الباقيات الصالحات .

عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

إِنَّ مِمَّا تَذْكُرُونَ مِنْ جَلَالِ اللَّهِ : التَّسْبِيحَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّحْمِيدَ ، يَنْعَطِفْنَ حَوْلَ الْعَرْشِ لَهُنَّ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ تُذَكِّرُ بِصَاحِبِهَا ، أَمَا يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَكُونَ لَهُ او لا يزال من يذكر به ؟

هديه ﷺ وأتباعه في الذكر :

كانﷺ أكمل الخلق ذكرًا لله عز وجل ، كان ذاكراً لله في كل أحيانه ، وعلى جميع أحواله، وكان ذكره لله يجري مع أنفاسه ، قائما وقاعدًا وعلى جنبه ، وفي مشيه وركوبه ومسيره، ونزوله وظغنه وإقامته..

 قالﷺ:

والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة .

وكانﷺيسأل ربه أن يعينه على ذكره:

اللهم اجعلني لك شاكراً ، لك ذاكراً .

اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك .

وسار أتباعه بعده على الاقتداء به فيما ورد عنه من أذكار مشروعة؛ فلدخول البيت وخروجه ذكر ، وعند النوم والاستيقاظ ذكر وللباس ذكر ، وعند البدء بالطعام والانتهاء منه ذكر ، وعند السفر والقدوم منه ذكر ، وعند وداع المسافر ذكر...

ولما للذكر من فضل فقد اجتهد السلف الصالح فيه وإليك بعض الأمثلة:

⁦قيل لعمير بن هاني :

مانرى لسانك يفتر ، فكم تسبح كل اليوم ؟ قال :مائة ألف تسبيحة إلا أن تخطئ الأصابع . 

⁦وقال الحسن :

أحبّ عباد الله إلى الله أكثرهم له ذكراً وأتقاهم قلباً.

⁦وكان عامة كلام ابن سيرين : 

سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم .

⁦وقال ذو النون : 

من اشتغل قلبه ولسانه بالذكر ، قذف الله في قلبه نور الاشتياق إليه.

⁦وقال موسى بن إسماعيل :

 لو قُلت لكم إني ما رأيت (حماد بن سلمة) ضاحكًا صدقتكم ، كان مشغولاً بنفسه : إما أن يحدِّث ، وإما أن يقرأ، وإما أن يسبح ، وإما أن يصلي ،كان قد قسم النهار على هذه الأعمال..... ومات في المسجد وهو يصلي .

⁦وقال ابن القيم :

وحضرت شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلاة الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إلىّ وقال : هذه غدوتي ولو لم اتغدّ هذا الغداء سقطت قوتي أو كلامًا قريبا من هذا .

وقال لي مرة : لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي و إراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر .

كيفية عدّ الأذكار :

1-عدّ الأذكار بالأنامل : 

من فضل الله أن سخر للعبد أعضاءه ومفاصله لتعينه على مرضات ربه وتقربه إليه.

قال قتادة :

من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خُلق ولينت مفاصله للعبادة.

•قالﷺ :

"واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات"من السنة العقد.

-معنى : اعقدن أي : اعددن..

بالأنامل :أي بعقدها أو برؤسها، 

يقال : عقد بالأنامل : عدّه.

قيل العقد بالأنامل : دلالة على الأفضل فإنهن يُسألن يوم القيامة عما اكتسبن وبأي شيء استعملن.

مستنطقات : أي متكلمات بخلق النطق فيها فيشهدن لصاحبهن أو عليه بما اكتسبه .

يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ..

وفيه حث على استعمال الأعضاء فيما يرضي الله، وتحريض على التحفظ عن الفواحش والآثام.

وعن امرأة من بني كليب قالت:

رأتني عائشة رضي الله عنها أُسبح بتسابيح معي .

فقالت:أين الشواهد؟ يعني الأصابع.

تتمة بيان فضائل :

سبحان الله والحمد لله إجمالا :

أنها أحب الى رسول الله ﷺ-مما طلعت عليه الشمس :

قالﷺ :

"لأن أقول سبحان الله, والحمد لله , ولاإله إالا الله , والله أكبر, أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس"

••الشرح :

أحب إلي مما طلعت عليه الشمس ؛ كناية عن الدنيا وذلك لأن هذه الأعمال من أعمال الأخرة  وهي الباقيات الصالحات وثوابها لا يبيد وأجرها لاينقطع والدنيا بمعرض الفناء والزوال والتغير والانتقال فكل واحدة منهن أحب إليه من الدنيا لدوامه وانقطاعها. 

وهي أيضا كلمات خفيفة :

سبحان الله , والحمد لله .

 الناس الان يسافرون ويقطعون الصحارى من أجل أن يربحوا شيئاً قليلا من الدنيا قد يتمتعون به وقد يحرمون إياه .

وهذه الاعمال العظيمة يتعاجز الإنسان عنها , لأن الشيطان يكسله ويثبطه عنها وإلا فهي كما قالﷺ :

"أحب الي مما طلعت عليه الشمس" .

وإذا فرضنا  أن عندك ملك الدنيا كلها ثم حضر الموت ماذا تستفيد ؟ لاتستفيد شيئا , لكن سبحان الله والحمد لله ..... هي الباقيات الصالحات، فينبغي أن نغتم الفرصة بهذه الأعمال الصالحة .