أوراقٌ ومقاماتٌ 

..كنت ومازلت أتهيَّبُ من ٱلْكتابة عن قامة شعرية مغربية صادقةٍ سامقةٍ ..

في ظلالِ شاعرة عرفانية ..(( أميرة ٱلْبوح ٱلْعرفاني))

عندما نتحدث عن أقطاب ٱلشِّعر ٱلصُّوفي بٱلْمغرب ..فإننا لا يمكن أن نتجاوز إسما وصوتاً له مقاماته ٱلْمُتَفردة ..
إنها ٱلٔأستاذة؛ " أمينة ٱلْمريني"؛ قامة شعرية باذخة ..وصوتٌ شعري حفر ٱسمهُ في تاريخ ٱلشّعر ٱلْمغربي..
أمينة ٱلْمريني؛ ٱبنة مدينة فاس ٱلْعاصمة ٱلْعلمية وٱلرّوحية للمغرب ..من هذي ٱلْأرض ٱلطيبة ٱلْمعطاء، سقت صوتها ٱلشِّعري ٱلْمتفرد وصقلت شعريتها ٱلْفذّة.
أمينة ٱلْمريني، قبل أن تغتسل بماء ٱلشّعرِ ..تشبَّعَ  قلبها برفيعِ ٱلْخُلقِ..
حبق ليلكي وسناء ..
تقول شاعرتنا في ديوانها : " خرجتُ من هذه ٱلْأرخبيلات"

أنا ليلٌ
بلا شطٍّ
أنا ٱلسّهد
أنا ٱلْهَجْهُوجُ 
زلْزلَ قلٰبَهُ ٱلْوَجدُ
 أنا ٱلدّرويشُ 
إذ يَخفى من ٱلْأشوَاقِ
                   أو يَبدُو
                 دمِي دَمُهُ
وفي القِرطاس مُمتدُّ
أنا لا شيءَ في ٱلْأشياءِ 
ياطيناً
سَيْهَدُّ 
سيَشرَبُنِي ٱلثَّرى يوماً
ويضحكُ من دَمِي ٱللّحد

شاعرتنا، تؤمن بحتمية ٱلْموت ..فموئل هذا ٱلْجسد ٱلْفناء وٱلْعودة إلى أصل ٱلْخلق ٱلْآدمي ..مؤمنة هي ..سابحةٌ في نقائها ..مقرة بٱلزَّوال.
تحفر بعشق صوفي حرفها فيأتي بديعاً سلساً..
يتحول ٱلشِّعرُ في حضرةِ ٱلشّاعرة "أمينة المريني" إلى قطوفٍ لألأة ..
في نص موسومٍ بـ: " ٱلدَّرْب" ص، 120 من ذات ٱلديوان " خرجتُ من هذِه ٱلْأرخبيلات"
تقول :

...
لمْ أُبْصِرْ 
أَبْصَرَنِي ..أَحمِلُ
صَلْصَالي ٱلْمَبهُورَ
وأَمضِي..
تمضي ٱلشاعرة في دربها، تحمل صلصالها لتُبعثَ في روح حبيبها..

تقول : 
حَبيبيَ كانَ مَعِي
وما كانَ للصخرِ أن يَسْمَعَهْ
حَبيبيَ دَوماً مَعي
وما كُنتُ يَوماً مَعَهْ

تغترفُ من نبْعٍ صافٍ وضّاء،فتهدي سلاما ونبؤات ..
هاهي ٱلشّاعرة تهِيمُ بٱلْمكان فيلبسها ..فتكون ٱلنّجوى وٱلْاختراق ..هاهي فاس، تتسلل إلى ذات ٱلشّاعرة لتكون أميرة حرفها..فتسلك في حُبِّها مَسْلكَ ٱلْعاشقينَ..
تقول في : ص 5، من نص معنونٍ بـ" من سِيرَةِ ٱلْخُروح"

علَى أبواب فاسٍ 
قد رَضعتُ ٱلشّمسَ 
وٱلْقمرَا
ومِن بستانها ٱلْأحلى
عصرتُ ٱلْكأسَ 
وٱلْوَتَرَا
صوتي غيثُ أضلُعِهَا
تَرَقْرَقَ في ٱلذُّرى 
نهرَا

وتغَنيها بفاس ٱلْمكان مخضوضبٌ بسيرة ٱلْأب وٱلْأم ..

أبي مَن كانَ
يلبسُ وحشةَ 
ٱلظّلمهْ
ويَخلعُ شهوةَ ٱلْأحلامِ
عندَ شواطئِ 
ٱلنَّجمهْ
وكنْتُ هِلاَلَهُ ٱلْحانـِي 
يُلَوِّنُ ربدَةَ
      ٱلْعَتْمَهْ 
ص،6 من ديوان " خرجتُ من هذه ٱلْأرخبيلات"

تقرأ لأمينة، فتسلو نفسك وتسنو روحك ..
تقول: 

...
أنا ٱلْأنثى 
أنا  حُلمٌ
وحلْمُ ٱلطِّينِ في ٱلطِّينِ،،

،،،،

في حضرة ٱلنّاسكة يُدَاهِمُكَ ٱلشّعر ٱلمُورقُ وَتزْهِرُ جنائن ٱلْوردِ فتحاصرنا ٱلْمعاني ٱلصّوفية ٱلْعرفانية وتمطرك أورادا ..
في أفيائها ٱلشّعريةِ تسمُو ٱلرّوح وتلبس لباسَ حرفٍ توحدت ناياتهُ، فكان ٱلشدو  آسرا .يلامسُ فيكَ جوهرَ ٱلْإنصات ..ففي وجدانياتها سحْرٌ وألقٌ ..تسقيك من كؤوس شعرها شرابا تستسيغهُ ٱلْأرواحُ ٱلسّقيمة..فيكون ٱلشّفاء وٱلْارتواءُ.
من جواهرِ ٱلْكلام ودُررهِ تصُوغُ أشعارها ٱلْفريدةَ، وتسبحُ في لُجَّةِ ٱلْأنْوارِ ٱلْمهيبةَ ..
إنّنَا في حضرةِ شاعرةِ ٱلْبهاء وٱلصّفاءِ ..أشعارها لا تستأذنك ..تأخدك إلى حدائقها ٱلْوارفةِ أخذاً.

ذهِ رحلةٌ قصيرة  في مقام ٱلْغربةِ؛ ٱلنّص ٱلذي ٱستغرقته ٱلصفحات من 52 إلى 59 ..
تقول: 

لأني من ٱلشُّعراءِ
ٱلّذين إذا عَشِقُوا 
رَقْرَقُوا وَتَرَ ٱلْقلبِ 
فٱنسَاحَ بَحْرُ
         ضِياءْ
لِأنّي من ٱلشُّعراءِ
ٱلْأُلَى طَوَّفوا 
غَرَّبُوا شَدْوهُمْ
عَفَّرُوا جُبّة ٱلْأُنسِ 
عٓنْدَ ٱقْتِناصِ ٱلْبهاءْ

أنتِ ..يا أنتِ بهاء وضياء ..صدقت وأجادت نسجَ هذي ٱلْحُروف ٱلْمخملية ..
فلكُ شعرك، نشوى وسحر وضياء ..وبحر يجود  ..
لكِ أن تمضي أيتها ٱلشّاعرة في دُرُوبِ ٱلشّعر تطرزين ٱلبياض بعطر ٱلْكلام ٱلْأنيقِ وتنثرين في ٱلْعالمين مودةً وصَفا ..

تقول : 

كان ذلك أبي 
نثَرَ ٱلْغيثَ على حُلمي 
   فمَضيتُ
أحتسي ضوءَ خُطاهُ
   فاشتعلتُ
وتأبَّطتُ كُؤوساً
بلَّلتْني صَبْوَة
للرُّؤَى فرَأيتُ
قد رأيتُ ما رأيتُ
إذ تجلَّى لفُؤادي
أَنَّنِي أمتَطِـي
صَهْوَةَ ٱلنُّور
وأسمُو حَيث شِئت ..

لغة ٱلتَّجَلِّي تتجَوَّلُ في ثنايا ٱلدِّيوانِ، فيكونُ ٱلنّورُ وٱلْاهتداُء إلى ٱلْمقاماتِ ٱلْعُلاَ وٱلْإيمَان ..
هاهي شاعرتنا تمضي في صراطِ ٱلْعارِفينَ ..تَسْمُو وتسنُو ..تُدْرِكُ ٱلْفجَرَ وَٱلنُّورَ وتخطُو نحو ٱلْانعتاقِ ..
..
 ورد في ص 89 من ٱلدّيوان ..
حِينَ فجَّرْتُ طريقي 
فصفا أوَّلُـهُ 
وَصفَوْتُ 
وَدَنَوْتُ
حيثُ يغفُو فِتْيَةٌ
لم تسَعْ قلبَهُمْ
"فاسٌ ولا " ٱلٖحمراءُ" 
فحلُّوا في دَمِـي 
في كُلّ جِهاتِي 
وانعتقْتُ،،،
إنَّ ٱلشاعرةَ تنتقِي مفرداتها بِدِقّةٍ لترسمَ طريقَ ٱلْانعتاق ..
(فجّرت..صفوت ..دنوت ..))..
هي تعرفُ كيف تُرَتِّبُ ٱنْعِتاقَها ..فيكون ٱلْحُلُولُ شَهيا بهِيّا ..

تتسلق أمينة، أسوار ٱلدّهشة ٱلشِّعرية وبلاغة ٱلْمجَاز وتراود سُكُونَ ٱلْحروفِ لتخرجَ من ٱلْأرخبيلات وتسكنَ وتستوطنَ دروبا وتتكوثر ذاتها في خُضْرةٍ وأنسٍ وتدرك طريقها ..وتمضي في قوافيها باحثة عن سَكَنٍ وٱسْتٓكَانةٍ..عن سر ٱنْتِشاءِ ٱلْأرْواحِ ..
وماتزال أمينة تخطو لِتهجُرَ سِتْرَ ٱلظّلام وتستنير بنور ٱللّهِ في هذي ٱلْأكوانِ.

تقول في ص 38 / 39 

لأنّكَ أنتَ
ولاَ أنتَ غَيركَ أنتَ
أَموتُ على سِدرةِ 
ٱلْعِشْقِ
عِنْدَكْ

...






Share To: