تصدير:
(تراه إذا ماجئته متهلّلا
كأنّك تعطيه الذي أنت سائله..
تعوّد بسط الكف حتى لو أنّه
أراد انقباضا لم تطعه أنامله..)
في زحام هذه الحياة المكتظة بالناس..يحدث أن تتعرف إلى بعض الأنام..تتفرس في وجوههم..التي لا تشبه غيرهم..تتأمل حركاتهم وسكناتهم..التي تميزهم..تشاهد ردود أفعالهم..وأقوالهم..التي تجعلهم عملة نادرة في عصر بلا هوية..فهم وحدهم من يعطون للايام مذاقا فريدا..من يحفرون في جدار الذاكرة..مكانا عليّا..لأنهم يحملون قلوبا من ذهب..إذا صادفت أمثالهم فستتمنى لو أنه باستطاعتك أن تخفيهم في عيونك..أن تغلق عنهم جفونك..أن تحميهم من الزمن الذي لا يرحم..فهم منارة تهدي الضائعين ونبراسا يرشد التائهين..!!
بعض الاشخاص لا يتكررون..يأتون مرة واحدة في العمر..مكانهم محفوظ في القلب والعقل..منقوش على جدران الأحداث..يحتلون حيزا هاما من الحنين..والنجوى..!!!
هؤلاء الرجال المهمون..تجلبهم الصدف عادة الى طريقك..فيفرشونه بالأمل...والخير..يفتحون لك نوافذ كلها فرح..وسرور..فتقبل على معترك الحياة بهمة..ونشاط..يشدون أزرك في أحلك العقبات..فتستند عليهم لمواصلة الكفاح الذي خلقت من أجله..! يكفي أن تلتقي أحدهم حتى تؤمن بالانسان القادر على فعل الخير..الساعي الى نشر المحبة..كأنه خلق فقط من أجل اسعاد غيره..!!
أحد هؤلاء كان شخصا عاديا من قريتنا النائية..لم يشغل مركزا رسميا أو منصبا نافذا..في حياته..أصاب قسطا قليلا من التعليم..ثم هاجر باكرا الى فرنسا ليعيل أهله..الذين أضناهم الفقر والحرمان مثل بقية السكان في ذلك الريف المتواضع..اشتغل سنوات طويلة هناك..ذاق من كل الطيبات والملذات..وبسط يده لمن حوله بكرم حاتمي وطيب نفس..لم يدخر فلسا ولم يحتكر قرشا..!! لم يمتلك الا قلبا رحبا يسع الجميع..كانت عودته الموسمية الى عائلته مناسبة احتفالية يدعو لها كل الجيران والأقارب..فيغدق فيها الخيرات الوفيرة على الحاضرين بلا حساب..حتى في المرات التي كانت ميزانيته لا تسمح بالبذخ المعتاد..بفعل ضائقة مالية او ما شابهها..يضطر أحيانا الى التداين من ميسوري الحال..حتى يحفظ ماء وجهه..امام طالبي القِرى..و ما أكثرهم في ذلك الزمن الصعب..!!
حافظ في كل مراحل حياته..على روح طفولية طغت على تصرفاته..رغم صفة "الحاج" التي لازمته واصبح يعرف بها كانّه الوحيد الذي زار البقاع المقدسة..كان حريصا على ارتداء ملابس الشباب رغم تقدمه في السنّ..شغوفا بكرة القدم التي لم تكن تستهوي الشيوخ..بل وصل به الأمر ان يسافر الى العاصمة عدة مرات لحضور مباراة فريقه المفضل..و احيانا يتكفل باجراء مقابلات بين شباب الاحياء المجاورة..فيحضر معهم ويحفزهم في مشهد مليء بالفرح الطفولي قلّما تجده عند غيره..!!
Post A Comment: