أحضر عادل معه سلّة تبن ، وسيلة الفلاحين لوقاية البيض من الصدمات والكسر. قال: الأطفال يحتاجون لرعاية، والبيض كائنات في رحلة الولادة، والتبن لحافٌ لها ومهاد، قال: إن العشب الأخضر جميل في الربيع، ويزداد بهاءً إذا جفّفه الصيف. جلب صديقنا إثنتي عشرة بيضة، زغرد الثلاثة من الفرح بالوجبة الدسمة، وأوقدوا ناراً، ووضعوا ملعقتين من السمن في الصحن، وبدأوا قلي البيض لفطور الصباح في الكرم. هذه وليمة كبيرة يا عباد الله. إنهمك الثلاثة في الأكل، وشبعوا وشربوا شاياً كثيرا، وجلسوا ينتظرون الفخاخ تثمر طيوراً تحت ظل شجرة اللوز، الفواكه تنضج بالشمس والصيد ينضج بالصبر، وطعوم الفخاخ؛ الدود الأصفر، يدغدغ الطيور الطائرة في السماء وعلى الشجر.
سأل عدنان عمر: إثنتا عشرة بيضة! هذا كثير، هذه وجبة لعائلة. من أين سرقت هذا البيض كله يا عادل؟ قال عادل: سرقته من أمي طبعاً، أمي لا تعرف مكان هذا البيض.
ليس سرقة، يعني رزق حلال يا شباب، فالدجاجة التي تبيض، بيضاء ورائعة، تختار أمكنة سريّة لتخزين البيض، وكلما وجدتْ مكانا جديدا بحثت عنه وعثرتُ عليه وإستوليت على البيض قبل أمي، أنا وهذه الدجاجة نلعب "غميضة"، وأمي هي ثالثتنا، ونحن في صراع وسباق، هذه المرة بحثت كثيراً، إلى أن إهتديت إلى عشِّ البيض، أصعب صيد في حياتي كان هذا الصيد، مكثت أراقب الدجاجة الذكية ثلاث ساعات، بعد كل قوقأة تعلن فيها الدجاجة عن بيضتها، فكل بيضة تعمل الدجاجة عرساً بزغاريد القوقأة! أشنُّ حملة بحث عنها، وأتشمم الحجارة والحصى بحثاً عن العشِّ..
كنت قد نصبت عشاً في أعلى غرفة التبن ،الغرفة المغطاة بالصفيح، والتي ليس لها باب، التبن علف وله فوائد أخرى، فهو يستخدم "شيناجا" للطين الذي يبنى به البيوت، فهو يمسك الطين ويجعله أقسى وأصلب، وأبي يتاجر به، صار كيس التبن بسعر ربع كيس القمح السنة الماضية، الدجاجة خفيفة الوزن وتستطيع أن تطير مترين أو ثلاثة، كان صعباً علي تسلق ثلاثة أمتار من التبن، أحضرت سلماً وسندته إلى سفح الهرم ، ثم عندما وصلت إلى سطح التبن المتجمع في الغرفة، غصت فيه، فإضطررت إلى الحبو ، كدت أغرق، زحفت وبلغت العش في الزاوية، فعثرت على الكنز..
وفي مرة ثانية، كانت قد عملت عشها تحت أكداس من أغصان الكرمة التي نقطعها للشتاء، كانت قد جمعت تسع بيضات، كانت وجبة هائلة.
عادل يحب اللحم والبيض، يحبُّ كل طعام فيه بروتين، وأمه بخيلة جداً، وعنده نقص بروتين حاد، وهو يصرِّح دائما نه يلاعب أمه، وأمه تلاعبه وكلاهما يحبّان البيض، لذا يفضل الأكل في الكرم بعيدا عن رقابتها، لقد قرر منذ زمن ، أن ينتزع لقمته بنفسه، وهو أبرع الأصدقاء الثلاثة في الصيد وإصابة الهدف، ونصب الشراك والفخاخ للطيور. الحاجة أم الاختراع، والحاجة هي الجوع، والإختراع هو مهارته في الصيد، فأمه مشغولة بالثراء والإدخار، تريد أن تصير من أغنياء البلدة بالبيض ويشار إليها بالبنان.
تابع: كلما باضت الدجاجة تبدأ في موال طويل فرحا بخلاصها من وحام البيضة، البيضة إستعمار. لكن هذه الدجاجة ذكية، وأجمل من طاووس، بيضاء، صافية البياض، حمراء العرف، عنقها مفضّض، ومنثورة العنق بنثار من الذهب ولها ذيل مثل ذيل الديك يتدلى مثل خصلة شعر مغسولة بأغلى أنواع الشامبو، دجاجة أجمل من ديك.. كرّر وهو يقسم: دجاجة أجمل من طاووس وأروع من ديك، وقوقأتها أعذب من صوت الشحارير والبلابل.
قال: أبي يقول عن أمي إنها سيّد الدار، تتحكم بكل شيء، تراقب الشارد والوارد، إنها نسخة من" الحكومة"الموقرة.
شوَّقهما عادل لرؤية الدجاجة، عندما عادوا مساء أخذهما إلى الباحة الكبيرة الملحقة بالدار، التي تتناثر فيها القطع المعدنية القديمة؛ محاريث، بذارات قمح، "تركتور" قديم، حصادة يستخدم "مزرابها" "كمزلقان "
لعب بعد إنتهاء موسم الحصاد، وغرفة كبيرة فيها تبن كثير للبقر والأغنام. برزت الدجاجة من بين قطع الحديد والمعادن تتهادى ملكةً، الدجاجة الشجاعة التي تهجم على العقارب، فتنقض عليها وتسلبها إبرتها ثم تجندلها نقراً، جميلة بيضاء بعنق منقط بالذهب، تمشي الهوينى، وتحلم بصيصان تمشي خلفها، وتنسى أنها كلما باضت بيضا، وجمعته، إستولى عليه عادل.
قال عادل الذي حَرَم الدجاجة من الصيصان، فهو صوصها الوحيد، الجائع دوما و،دا، صوصها الوقواق: هذه أمي.
ومرت الأيام والأشهر ونحن بين عراك عادل وأمه مرة وبين حيله مع صيد الدجاح مرة....
وذات ربيع كنا معا في ذات الباحة الكبيرة وذات الدار وذات القطع المعدنية القديمة بمحاريثها ببذاراته و "تركتور" قديم و ذات الحصادة التي يستخدم "مزرابها" "كمزلقان "لعب بعد إنتهاء موسم الحصاد،
وذات الغرفة كبيرة بتبنها الكثير للبقر والأغنام...أطلت علينا دجاجة شجاعة جميلة بيضاء ....
أصبنا بدهشة فشهقة فقهقهة بطول هرم التبن ، فسارع عادل بإنقاض الموقف ، قائلا :"هل تصدقون أن هذه الدجاجة من تلك الدجاجة يا أصدقاء ٠!"
-قال عدنان:"يعني هذه الدجاجة هي بنت للدجاجة التي كانت أجمل من طاووس وأروع من ديك، و صوتها أعذب من الشحارير والبلابل.."!!!
-ضحك عادل وأضاف :"وتبيض كأمها وأكثر ...."ههههه".."!!!"
حينها قال عدنان متهكما:""إقلب الجرة على فمها تطلع البنت لأمها .."!!!
عِمَادُ الدِّينِ التُّونِسِي
Post A Comment: