ايهأ القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن القدوة الحسنة فى الحكمة من تعدد زواج النبى صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين السيدة صفيِّة بنت حيي بن أخطب واليوم بإذن الله تعالى نعيش مع أمِّ المؤمنين السيِّدة (أُمِّ حبيبة)رملة بنت أبى سفيان الأُمَوِيَّةِ القُرَشِيَّة
راجيا من الله تعالى القبول وتحقيق المأمول من الاعتبار والاقتداء بسيِّدنا الرسول صلى الله عليه وسلم كما حثَّ على ذلك ما جاء فى المتواتر المنقول ﴿لَّقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِی رَسُولِ ٱللَّهِ أُسۡوَةٌ حَسَنَةࣱ لِّمَن كَانَ یَرۡجُوا۟ ٱللَّهَ وَٱلۡیَوۡمَ ٱلۡـَٔاخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِیرࣰا ۝٢١ الأحزاب 
أُمُّ المؤمنين أُمُّ حبيبة رضى الله عنها من بنات عمِّ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم وليس فى أزواجه من هى أقرب نسباً إليه منها ولا فى نسائه من هى أكثرُ صداقاً منها وهى صحابيةٌ من المهاجرين السَّابقين الأولين 
ومن إخوانها الصَّحابى يزيد ابن أبى سُفيان والصحابى والخليفة مُعَاوية ابن أبى سُفيان
زواجُها من النَّبى صلى الله عليه وسلم قيل قبل الهجرة إلى المدينة والراجح كان زواجها بعد الهجرة فى السَّنة السَّادسة ه‍ ورجَّح ذلك الكثير ومنهم ابن كثير فى سيرته ج٣ ص٢٢٧ 
وكانت قبل ذلك تحت عُبَيد بن جحش وقيل تنصَّر فتركته والراجح من أقوال المحققين أنَّه مات فبعث إليها النبى صلى الله عليه وسلم عمر بن أُمية الضمرى ليخطبها فلمَّا وصل كتابُ النبى إلى النَّجاشى أرسل جاريةً له تُدعى أبرهة إلى أُمِّ حبيبة تُبشِّرُها بخِطبة النبى صلى الله عليه وسلم  لها فسُرَّت بذلك وكافأتها بأن أعطتها بعضَ الحُلىِّ 
ولما كان العِشاء جمع النجاشى المهاجرين ليحضروا هذا الزواج وأوكلت عنها خالدَ بنَ سعيدٍ  بنِ العاص وأصدَقَها النَّجاشى أربعمائةَ دينار وأولَمَ لها وليمةً فاخرةً وجهزَّها وأرسلها إلى المدينة مع شَرْحَبيل بنَ حَسَنة وذكر فى شأنها القرآنُ قولَ الله عز وجل ﴿۞ عَسَى ٱللَّهُ أَن یَجۡعَلَ بَیۡنَكُمۡ وَبَیۡنَ ٱلَّذِینَ عَادَیۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةࣰۚ وَٱللَّهُ قَدِیرࣱۚ وَٱللَّهُ غَفُورࣱ رَّحِیمࣱ﴾ [الممتحنة ٧]
لمَّا كان بين النبى صلى الله عليه وسلم وبين أبيها وذهبتْ إلى المدينة ومعها ابنتُها حبيبة ربيبةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم والَّتى تزوجها فيما بعدُ داودُ بنُ عُروة بنِ مسعود الثقفي وكانت مسلمةً قويّةَ الإيمانِ ولمَّا جاء أبوها  أبو سفيان أيَّام المُوَادعة يطلب تجديدَ العهد مع النبى صلى الله عليه وسلم ودخل حُجرتها وجلس على فراشها منعته من الجلوس عليه وقالت إنَّه لفراشُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لها أبُوها أرغبتِ بى عنِ الفراشِ أوْ رغبتِ بالفراش عنَّى فقالتْ له وهى تدعوه للإسلام إنَّه فراشُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وإنَّه لَطَاهرٌ وأنتَ من الكافرين 
وعاشتْ حياةً كريمةً فى بيتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلى أن تُوفِّيَت سنةُ أربعة وأربعين هجرية 
من جوانب القدوة الحسنة من زواجه صلى الله عليه وسلم منها
١/زواج بناتِ العمِّ والأقاربِ غيرِ المُحرَّماتِ كما نصَّت عليه السُنَّة والآياتُ مالم تكن هناك معوقاتٌ طبِّية أو نفسيَّة أو مَوْروثات تُلْحِقُ الضَّرَرَ بالبنين والبناتِ
٢/الفرح والسُّرور والمكافأة لمن بُشِّرَ بالخيرات يتجلَّى ذلك فى إهداء السيَّدةُ أُمُّ حبيبة الحُلىَّ للجارية حين بشَّرتها بخِطْبةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم منها
٣/جواز توقيرِ أهل الفضل فى ولاية الزَّواج مع وجود من هو أقرب منه يتجلَّى ذلك فى وِكَالة خالد بن سعيد لأُمِّ المؤمنين أُمِّ حبيبة رضى الله عنها
٤/جواز دفعِ المهرِ من غير الزَّوج ممن تتوافر فيهم أهلية الإكرام يتجلَّى ذلك فى دفع المهر من النَّجاشى لأُمِّ المؤمنين (أُمِّ حبيبة) رضى الله عنها إكرامًا للنَّبى صلى الله عليه وسلم وفيه دعوةٌ إلى المساعدة على العِفَّةِ لكُلِّ من يجد فى نفسه القدرةَ على ذلك
٥/ جواز تربيةِ الربيبة فى بيت زوج أُمِّها وهى من المحارم على التأْبيدِ يتجلَّى ذلك واضحًا في تربية السيِّدة حبيبةِ فى بيتِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأُهيبُ بكُلِّ زوجٍ تزوَّج بامرأة سواءً كانتْ أرملةً أوْ مطلقةً ومعها أبناءٌ ذكوراً كانوا أو إناثًا أن يُراعىَ فيهم حقَ اللهِ عزَّ وجلَّ وأنْ يبتغِىَ الأَجْرَ من الله ولْيَتَذَكَّرَ قولَ النبى صلى الله عليه وسلم "أنا وكافلُ اليتيم فى الجَنَّة هكذا وأشار بأُصْبُعَيْهِ السَّبَّابةِ والوُسْطَى وفَرَّجَ بينهما "ذكره المنذرى فى الترغيب والترهيب وعزَاه الى البخارى وأبو داود والترمذي 
٦/احترامُ المرأةِ لزوجها وإعطاؤه حقه فى غيبته وإعلاءُ قدره يتجلَّى ذلك واضحًا في منْعِ السيِّدة أُمِّ حبيبة حين رَفَعَتِ الفراش عن أبيها وقالتْ إنَّه فِراشُ رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنَّه لطاهرٌ وأنت مُشركٌ وهى تؤصِّل قاعدةَ المودَّة  والعداوة أنَّ الأصلَ فيهما لله قال تعالى
﴿لَّا تَجِدُ قَوۡمࣰا یُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡیَوۡمِ ٱلۡـَٔاخِرِ یُوَاۤدُّونَ مَنۡ حَاۤدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوۤا۟ ءَابَاۤءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَاۤءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَ ٰ⁠نَهُمۡ أَوۡ عَشِیرَتَهُمۡۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ كَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِیمَـٰنَ وَأَیَّدَهُم بِرُوحࣲ مِّنۡهُۖ وَیُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتࣲ تَجۡرِی مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَـٰرُ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۚ رَضِیَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُوا۟ عَنۡهُۚ أُو۟لَـٰۤىِٕكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَاۤ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ [المجادلة ٢٢]
والحكمةُ فى زواجه صلى الله عليه وسلم منها
تأليفٌ لأبِيها وكسرُ العداوة بينهما وجبرٌ لها عن فقد زوجها وحمايةٌ لها من عداوة أهلها ورفعٌ لشأنها 
هذا والحديث بإذن الله موصول مع أُمٍّ من أُمَّهات المؤمنين لعلِّى وإيَّاكم نرتقى إلى الوصول بالاقتداء بسيِّدنا الرسول. 






Share To: