بائع الملح نصوص عربية قصيرة معاصرة للمؤلف سعد السمرمد وقعت في ١٤١ صفحة وضمت ٤٠٠ مقطوعة قصيرة وطبعت في عام ٢٠١٩ المؤسسة العربية للدراسات والنشر في بيروت وقد استطاع السمرمد بطرق فنية رائعة أن يجسد الواقعية والخيالية بطرق عديدة موظفا الطبيعة لجمالياته التي جاءنا بها ومستخدما الخيال البعيد في فنياته فتراه مشبها في حين وسائلا في حين تاركا وراءه عدة اجابات وتصورات لها أبعاد فلسفية حادة وغارسا الحكم بطرق صورية رائعة. قال :
لا أكتب عن سقوط الأوراق
في فصل الربيع ( ٧٥ )
لا يلتف أحد لسقوط الأوراق في هذا الفصل مطلقا فلم نلتفت إليها بفصل الخريف؟ بعد فلسفي اراد منه أن السقوط واحد ولكن لكل زمان معنى آخر .
قال:
بالقرب مني كأس باردة
وهناك امرأة ساخنة ( ٨٤ )
وصف رائع فالكأس ما فيها بارد والمرأة وما فيها ساخن فكيف يجتمع النقيضان ؟ برودة الكأس حقيقية لمعناه وسخونة المرأة تجسيد واقع حالها وهنا ستلحظ الترادف الجامع للمعنى الذي لا يكتمل إلا بالنقيض .
قال:
لم يكن أنفي الطويل
سر تعاستي
فاللقالق مسرورة دائما ( ٩٤)
تشبيه بلاغي ومفارقة بين الإنسان واللقلق وهنا تكمن علامة السؤال ؟ فتنتج عدة أسئلة كيف يتساوى التشبيه بين انسان ولقلق ...؟ صورة مزيجية لأمر غاية التعقيد تبعث الدهشة .
قال :
كعانقيد العنب
يتدلى نهدا زوجتي( ١٢٩)
تشبيه فيه عدة أبعاد منها الهرم لزوجته ومنها الجمال وعالم الشهوة بأماكن الخصوبة والجمال عند المرأة
قال :
يا لغباء الشاة
تسير معي
والسكين بين يدي (١٩١)
تجسيد لواقع مؤلم من خلال الشاة فكيف يسير البشر ويتبع من هو بلحظة قد يذبحه ؟ قمة في الوصف وضربة حادة مفادها لا تكن كالشاة وانت تعلم نهايتك
قال :
لا تقبل أمي
أن أقطف الباميا
يعاقبني الغصن
بدبابيسه (٢٠٤)
تصوير حنان الأم وعالم الأمومة من خلال رسم صورة جميلة جدا وباختزال رائع وتجسيد لأمر فلسفي وهو أن الحصول على الأشياء الجميلة لابد من دفع ثمنها.
قال :
لم تعتذر المروحة
التي لطمت العصفور
وكسرت جناحه (٢٥٦)
لا تتوقع الاعتذار في كل الاحوال فهناك من لا يعتذر وبعد فلسفي اراد توظيفه بصورة جميلة جدا فما عليك الا أن تتجنب من لا يقوى على الاعتذار ان كان الأمر بيده أو لم يكن تحت سيطرته .
قال :
القناع الذي
وضعه أبي على وجهه
أخاف الكلبة
فنبحت عليه (٢٦٦)
تصوير رائع لزيف الأقنعة فالكلبة لم تعرف صاحب البيت الا بوجهه وليس بقناعه وهي حكمة عظيمة فكن كما انت بلا اقنعة ولا رتوش .
قال :
البلبل لا يغرد
في مأتم أمي (٢٧٦)
البلبل لا يكف عن التغريد ولكن الحزن افقده سماع صوت البلبل وهذه دلالات على سيطرة الحزن على كل الاشياء وهي صورة رائعة وظفها من مفردات الطبيعة لتجسيد معنى ذاتي .
قال :
أخشى أن
يلدغني العقرب
وأنا أصلي (٢٨٨)
فيها عدة معاني هذه المقطوعة تتعلق بالإيمان من عدمه فالمصلي الحقيقي لا يرى سوى الله وقد تتعلق بالغدر ممن حولك وقد تفسر عن الصفاء والنقاء فهناك من يصلي وهناك من يلدغ وهناك من يفعل الخير ويجازي بالشر .
قال :
مات أبي في الستين
وعاش جدي
إلى التسعين
هل هناك خطأ
في الحساب .؟ (٣٣٧)
هناك عدة امور غيبية لا يحق لنا السؤال فيها هذا من باب ومن باب آخر قد يتعلق الامر بالعدل وتلك التساؤلات تحصيل حاصل للفكر النير وقد صاغها السمرمد بطريقة تبعث الشك والتأويل وليس معنى ذلك عدم الإيمان بما كتب الله ولكنه الإفصاح للتأويل بما يدور حوله وحولنا .
قال:
حينما مات أبي
مات الثور أيضا
لقد ذبحوه في المأتم ( ٣٦٧)
هل كان مقضيا موت الثور مع موت أبيه ولو لم يمت أبوه هل بقي الثور حيا ؟... بعد فلسفي ..
استطاع السمرمد في بائع الملح أن يبعث الدهشة من خلال الضربات القوية الحادة مختزلا المعنى بطريقة فنية رائعة وبطريقة الومضة التي تحتاج قوة فكرية هائلة واحترافية عالية في عالم اللغة وسحرها ومدى تأثيرها على المتلقي واستمد ذلك من خلال أحداث الواقع معززا ذلك الواقع بالخيال الذي نتج عنه الإبداع وموظفا الرمز كمادة أساسية في مقطوعاته.
أبارك للسمرمد وإلى مزيد من التفوق .
Post A Comment: