منذ ظهور فيروس الإنترنت و الكتاب في غضب،لقد أصبح حقا ولوج المكتبات و اقتناء الكتب من قديم الزمان و ربما احيانا تخلُّف بداعي انها موجودة على الإنترنت و يسهل جدا تحميل مجموعة من النسخ في وقت وجيز جدا. نعم صحيح هو الأمر عندما يتعلق بالتحميل لكن ما اصعبه وقت القراءة.
هل نقرأ هذه النسخ الإلكترونية بكل أريحية و تركيز و تحليل مع الاستمتاع بمحتواها و بالتالي نقدها نقدا بناءً؟
هل فعلا نركِّز بكامل جوارحنا في التجوال بين صفحات النسخة؟
ألا نتعب من الرد على الرسائل و التعليقات ثم بعد ذلك الرجوع إلى صفحة ما لإتمام القراءة؟
ببينما نحن منغمسين في أعماق المعاني الجذابة و الوصف الواقعي لحقول الشعر الطويل المنتظم يرنُْ الهاتف الذكي، فلا بد من الإجابة و الرد، قد يكون أمر ضروري أو حتمي.
أنتذكّر رقم الصفحة  لاستكمال ما تبقى من فيض و تشويق في الصفحات الكثيرة المتتالية ام حان وقت وجبة العشاء. سنخرُّ إلى غلق الكتاب الإلكتروني بدون شك بسبب آلام العيون و دوخة الرأس... بالطبع سوف لن ننسى تتبع ما تركناه  
على نعشه ينتظر من حروف ذهبية و نهاية رواية جميلة و مشوقة  إنما كل هذا سوف يتحقق بعد ممارسة مجموعة من الأنشطة. لأننا و بكل واقعية نعتقد اننا نحمل النسخ معنا أينما كنا فلنقرأها وقتما أردنا و كيفما يحلو لنا و مع كامل الأسف الشديد نسير على عهد خيانة أنفسنا لايام و أعوام طويلة الأمد حيث نبقى على أمل القراءة دون قراءة و نتوهم العلم دون منبع و لا مصدر علمي جدير لأننا نكتفي بالجولات الخفيفة على مواقع التواصل الاجتماعي و نلتقط حبات رمان  بحجمها الصغير و التي لا تسمن و لا تغني من جوع كاخبار مزيفة لا أساس لها من الصحة و إبداعات مقلدة و ابتكارات مفبركة ناهيك عن تنوع الصور و المقالات الكاذبة... فنكون قد امضينا حقبة من العمر في تصفح حلم السراب بعد أن امتلأت هواتفنا بحرا من الصور غير اللائقة و نهرا من النسخ المتنوعة الفارغة المحتوى و أيضا فيديوهات الخمس و العشر دقائق فما فوق و التي تسوقنا دائما نحو الضياع، ضياع الوقت و الطاقة دون جدوى.. فلم تعد تلك الشاشة تتحرك للمواصلة و لا طاقة الهاتف الاستيعابية تتحمل و لو صورة فما بالك نسخة كتاب عميق، الشيء الذي يدفعنا إلى افراغ كا ما شُحن مع دفن ذكريات مزقت القلب حزنا من محادثات و تبادل صور و إبداعات...  بعد ذلك نفتح صفحة جديدة في هاتف حياتنا بطلب أرقام الأصدقاء و العائلة بحجة فقدانها بين عشية و ضحاها، نعود بأمل جديد و حماس كبير. لكن الطامة الكبرى لن نجد صفحة ما نبض به قلبنا يوما أمام ذلك الهاتف و لا نهاية بداية نلمس فيها كل ما نعيشه و نريد البوح به فلن يقبل منا شفهيا ، هناك نجده كما هو منسوخ على تلك الصفحات فنحس و كأننا أبطال القصة..
 آه على تلك الصفحة المفقودة و الملقاة في سلة مهملات هواتفنا!
آه على تغيير احوالنا و عائلتنا و حياتنا ككل!
آه على زمن الإنترنت!
ليتكِ يا صديقتنا الصفحة المقدسة ما كنتِ إلكترونية!
يا ليتكِ إن كنتِ ورقا اتحكم فيه زمكانا!
أصبحنا عبيد هواتفنا و حواسيبنا و تركنا الكتاب يحتضر..
فيا أناس هلمُّوا لمكتباتكم و تذكرو ذاك اللون الأبيض الذي اكتسح ربوع وطن المعرفة!
نظفوا كنوز العلم الحقيقي و اهتموا بهم، فهم محتاجين لنا و لرعايتنا من أجل انقادهم من سيف زمن المدونات الإلكترونية!
هذا و لا يمكن أن ننكر فوائد عديدة للإنترنت و كل ما هو إلكتروني من تسهيل عملية السرعة في البحث و إيجاد المعلومات..
و صرختي انا هنا أن نواكب العصر الحديث و لن نتخلى عن التطور و الازدهار، فهذا لا يزيدنا الا جمالا و تقدما و لكن الكتاب يبقى فوق كل ذلك، يبقى اصل العلوم و منبع المعارف والخبرات مهما كلّف التاريخ من عصرنة...

 






Share To: