السعادة تأتيك أيها الإنسان كطيف لذيذ يجعلك تنشر ذبذبات من أعماق روحك لتخترق كل من اقترب إلى مجال تواجدك، أو تظهر هذه السعادة كومضة ضوء تفسح لك الطريق للمرور في ظلمة دامسة، تمنحك بُعد نَظر لا يتعدى خطوات حتى تُطْبِق عليك وتُجْبِرك على الانحناء غصبا عن إرادتك.. فتبتلعك حصون الأمكنة و تجرفك متاهات الازمنة وتكتشف فيما بعد أن تأثير المخدر قد زال.

تناثرت هذه العبارات لتشكل سردا ينتقم  من أحداث وشخصيات وأزمنة تعدت وتخطت حدود واقعها، لتغزو كل مساحة أمل تحسبها فتحا جديدا تَغْلِق به كل كُوَّةِِ تطل من خلالها براعم الخير والسعادة. 

ومن أسباب السعادة الدنيوية، "جيرة صالحة"لأنها عبارة مقدسة اِحتوت في ثناياها خطة إلهية ( الشريعة الإسلامية) كاملة و جاهزة، تقدِّر الإنسان كمخلوق اجتماعي ومزاجي لا يرسى على حال في إطار علاقات متعددة الأقطاب تستوجب استحضار وتفعيل كل القيم التي تؤسس لاستقراره النفسي والإجتماعي، كالإحسان للجار ذي القربى والجار الجنب.. وتقدر هذه الخطة كذلك العقل كهبة قَيِّمَة غير مؤدى عنها صالحة لكل زمان ومكان. فهي خطة مُشَرَّعَة وُضعت على أساس تيسير حياة هذا الإنسان داخل المجتمع، هذه الحياة التي وصفت بصفات( الدنيا، الأولى..) بَخَّسَت من قيمتها وأوقفت حلم عيشه الأبدي في زمان  ضُبِط بنقطةِ نهايةٍ محسوم في أمرها (الموت). 

لكن السؤال هنا يبقى مطروحا.. ما مدى استيعابك أيها الإنسان العاقل لهذه الخطة الإلهية الموضوعة لك على وجه الخصوص والتي غايتها نقلك من سعادة دنيوية إلى سعادة أبدية ؟ 

لماذا لا تسعفك ثقافتك ولا يسعفك وعيك أيها الإنسان  للترفع عن هذه السعادة الدنيوية، وتقرأ الخطة الإلهية بعين التمحيص والتفحيص، وتنظر إلى لحظة وجودك التي لاتتعدى حبك للتقليد الأعمى، فلا تبرح المكان في زمن كشف المخفيات بالعقل الفعال والتأمل، زمن الانتماء والاندماج في الصيرورة التاريخية للخطة الربانية التي تدعو إلى توحيد الرؤى حول نمط عيشك منذ بدء الخلق إلى الآن. إسمح لي أيها الإنسان  حملت الأمانة  بجهالة  فأثبتت أن ميزة العقل لديك قُدَّتْ من أحد أطرافها وتحول مفهوم الخطة الإلهية الى مجرد صورة خارجية تعكس فقط مظهرك المنمق بلحية منسدلة وجلبابك الأنيق الذي يقيك من حر وقر الطقوس الدنيوية، ورحلتك اليومية التي تشبه رحلة الشتاء والصيف بين الجامع والبيت. وأثبتت على أن عقلك الباطن لا يتوفر على آليات تحويل بنود هاته الخطة إلى سلوك متحضر يُخرجك من دائرة صراع الذات  وزمن الوجود ويلحقك بصفوة العقلاء بالفعل، الذين وفقوا إلى استنباط متغيرات  سمحت باستخراج قواعد المعاملات بينك أيها الإنسان و بين مثيلك وبين باقي الكائنات الدنيوية ( الحيوانات). 

 اسمح لي أيها الإنسان(الجار) بكل صراحة لقد خيبت ظني بك، و أبَنْتَ عن ضعف فهمك لبنود الخطة الإلهية، فلم تتذكر سوى ماضيك القريب العهد بالعنتريات، وإظهار العضلات المفتولة وحمل السيف بذل الحكمة ونسيت حكمة المتنبي التي تقول:

" الرأي قبل شجاعة الشجعان ……هو الأول وهي في المحل الثاني". ونسيت قول الرسول عليه الصلاة السلام: "أربعٌ من السعادة: المرأةُ الصالحة، والمسكنُ الواسِع، والجارُ الصالح، والمَرْكَب الهنيء، وأربعٌ من الشقاء: المرأة السوء، والجار السوء، والمركب السوء، والمسكن الضيِّق".ففي أي الأربعة تضع نفسك؟ 









Share To: