الحلزونه تطير في الليل غير عابئة بشيء أو بأحد، في دوائر شفافة، سريعة ومرحة في إنطلاقتها، مبتسمة  في صعودها وهبوطها، وهي تسبح بحرية بين العمارات والأعمدة،. بينها وبين الضوء البرتقالي لأعمدة الإنارة ود ومحبة غير مرئيين،، لكن يحسهمها الساهر الذي لم تنم له جفون مثل دنيا ذات عوالم دافئة ودفينة رغم الغياب والألم ، وذلك مكمن وأصل السر! .جلس كامل سليم سليمان البلعوطي سليل عوائل البلعوطي المعروفة في جميع أنحاء مصر  في الفرانده، يحتسي الشاي رغم البرودة الشديدة وطقس ديسمبر المخادع ، كامل أصغر عضو والعازب الوحيد المتبقي في العائلة الكبيرة المنتشرة من شبرا زنجا علي حدود المنوفية حتي ميت بلاش شرق الوادي القديم .
أغواه العشق والهوي وأغاني كاظم الساهر ، فجلس ينتظر شبح حبيبته، وهي تدخل وتخرج من الحمام في العمارة المقابلة  .أخيراً، تلطف الكون بشخصه الكريم وعطف علي طموحه الذي لا حد له ، ورسم الظل، بعد طول إنتظار، ضفيرة راقصة علي اللوح الزجاجي لشباك الحمام الصغير، فتساقطت، علي الفور، إلهامات الشعر كالشهب علي روحه، وتراقصت ملكات النحل وترشرش الكحل حول الرموش ،وإرتعش جسده إرتعاشة من مسه صقيع الغرام .ثم وثبت وثبة بهلوان ، فجاءة، على  عقله فكرة ، ماذا لو قذف الشباك بطوبة موضوعة في كيس شفاف، وبداخله ورقة مكتوب عليها :أحبك من كل قلبي، حياتي بدونك مستحيلة، هل تقبلين الزواج بي يا أميرة القلوب ؟ إبتسم للفكرة إبتسامة نصر وغرور، وقر في أعماق أعماقه أنه من سلالة عباقرة ومجانين بقصص العشق والهوي، عائلة البلعوطي يا سادة، شرع سريعاً في تنفيذ الفكرة .وجد الكيس أسفل الكرسي، فقدر أن هناك إرادة خفية وفاعلة تعمل علي تحقيق مايريد، وتساعده بكل ما أوتيت من حكمة، الطوبة ...الطوبة ...ترك الفرانده مسرعا ونزل الشارع وإنتقي الطوبة المناسبة من بين عشرات ملقاة بدون رعاية ، صعد مرة أخري ودخل الفرانده، وهو يلهث كقط خجول أرهقته درجات السلم العنيد .الحي بأكمله يغط في بحر من النوم والأحلام السعيدة والغير سعيدة أيضاً .أتخذ القرار ..نفذ ...اقذف يا بطل 1.. 2..3...تش تش.. ،كسر زجاج  الشباك 
-يابن الكلب!؟ 
هبط مسرعا أسفل سور الفرانده .تجمع شباب الحي والساهرين منهم، وعمت الضوضاء والزعيق، وكأنهم كانوا في إنتظار الطوبة ليتقابلوا مرة أخرى! . ثم سمع صوت يقول :لعله أحد السكارى أو المساطيل، هو من قذف بالطوب ،وسمع آخر يقول :ربما يكون حدث إنتقامي يجب علينا أن نتحري الأمر أو أن نبلغ الشرطة ،. ثم سمع أكثر من مرة من يقول :لا حول ولا قوة الا بالله، لقد تهشم زجاج الشباك، يا لها من خسارة، إنه من النوع  المستورد الغالي الثمن. ثم سمع  بعدها سرينات سيارة إسعاف تمر فكاد أن يتبول علي نفسه! ووجد من يقول :الحمدلله حتى الآن الإصابات محدودة .  ومر وقت طويل والضجة تضج والضجيج يعتمل .نصف ساعة من الترقب الحذر والخوف الشديد مرت كعام ، حتي شعر بألم شديد في معدته ،  حينذاك قرر نفر منهم الإستسلام للمقدور، والعودة  إلي بيوتهم. في هذا الأثناء  كانت الحلزونه تطير بحريه وفرحة، في حلقات متصلة ومتشابكة، ثم تعود وتنفصل في خفة ورشاقة ،  لتعلن للعالم  إنتصارها الحتمي علي الفوضي والعدم! . 
أما كامل سليم سليمان البلعوطي ، فقد أصيب بدور إنفلونزا شديد أرقده في السرير أسبوعين كاملين.، يحتسي مرق الدجاج، ويشرب الليمون الساخن،ويتدثر بأثقل اللحافات ،وإلتمت الأسرة حوله،وغمروه بعاطفة كبيرة لم يصادف كامل مثلها من قبل، ووعدته أمه بتزويجه من إنشراح إبنه خاله بهيج . لكنه تذكر في غمرة ماتذكر إبان أيام مرضه أن الورقة لم تكتب أصلا  وندم بعدها علي فعلته ندما شديداً. 







Share To: