كان صوت موتور الزورق العائم يخالط صوت طيور النورس الساكنة على الجزيرة . ان من عادات ذالك النوع من الطيور أن تذهب للترحيب بمن أقبل على الجزيرة وتذهب لتودع الراحل منها ؛ لم يكن الزورق الممتلئ بهواء يحمل الكثير فوقه من البشر . فقط كان اثنين من الضباط وعسكري واحد  ؛ الساعة السابعة صباحا تدق في اجراس هواتفهم أنه موعد تبديل النبطشية بين العساكر على تلك الجزيرة الواقعة فى البحر الاحمر قرب قناة السويس ؛ وعلى ما يبدو أن تلك الجزيرة شهدت الكثير من معارك دموية كثيرة واريقت عليها دماء أكثر من الشهداء . وهامت عليها أرواحا لا قبل بمن يحرسها بها . لا يفرق مع تلك الأرواح نهارا أو ليلا لتنشط .. فالجزيرة لا يوجد بها دائما غير شخص واحد ؛ وهو العسكري الحارس عليها طيلة  الأربع وعشرين ساعة ؛ ثم يستبدل ذالك الشخص بواحد اخر ولا يعود للخدمة عليها مرة أخرى ابدا ان كتبت له النجاة ؛ حيث الوقت هنا يمر ببطيء ويحتمل أن يمتد في مخيلتك إلى شيء غير معلوم أو مفهوم .. هبط مطاوع من الزورق مبتسم  أن الحياة البدائية على الجزيرة تروق له .. حيث لا احد يفسد علية نهاره المشمس أو ليلته القمرية ؛ كما ينوى بداخله أن يقدى باقى خدمته على الجزيرة ذالك الشيء الذى لم يلقى قبول من قادته .. وتم التنبيه عليه بأنهم سيحضرون في السابعة صباحا لتبديل الخدمة بعسكري اخر . تمت مبادلة الخدمة واستلم مطاوع سلاحه من العسكري الآخر .. ولكن ما أصاب دهشة مطاوع أن بديلة لا يتحدث .. فقط يحرك رأسه بأيماء بنعم او لا .. ويضرب وجه الاصفرار والذهول وعيناه شاخصتان إلى  البحر .. وكأن شئ بداخلة يقول إنه غير مصدق أن النجاة كتبت له .. سأله أحد الضباط اين ذهبت الذخيرة ؟!  فلم يجيب اين الفارغ من طلقات الرصاص ؟!  لم يجب على أي من الاسئلة .. صعد إلى الزورق بجسد مرتعش ثم راح صوت متور الزورق ثانيا يختلط بصوت طيور النورس المحلقة في وداع من ذهب من على أرض هذه الجزيرة .. حمل مطاوع سلاحه وما يكفيه من طعام ذالك اليوم ؛ وراح يخطو خطواته على تلك البقعة الملعونة . يتأمل السماء والبحر وبعض الأشجار على الجزيرة .. نظر إلى الزورق وروحه تقول لقد أخذت معك صخب الحياة وتركت هدوء الطبيعة  ؛ادنى ببطيء ليخلع ما يحمل كتفة من متاع ؛ أفرغ محتوياته متاعه . أخرج قارورة الماء . ترغرغ بالقليل وقذفه ثم شرب القليل من الماء ؛ أوقد نارا بمخلفات الأشجار نضج عليها القليل مما يكفيه لصنع كوب شأى تناوله مع سيجارة ثم راح يضرب مخيلته نزول البحر أن المياه على الجزيرة رائعة وصافية ولا يوجد ضابط ولا شخص سيأخذ سلاحه أو يحاكمه . فقط هو والطبيعة ؛ خلع سترته وزيه العسكري . راح مسرعا بتجاه البحر . قفز قفزة عالية جعلت جسده كله أسفل الماء . راح يتفقد الأسماك والاعشاب المرجانية أنه منظر بديع وكأنها جنة تحت الارض ؛ ثم شعر بهذه قوية وكأن مبنى كبير قد وقع على الجزيرة ؛ راح يصعد أعلى سطح الماء . اخرج رأسه من الماء مسح وجه وعيناه ؛ ثم نظر فلم يصدق ما رأت عيناه !! وسمعته أذنه !! الدنيا ظلام وليلا و صاروخ ضرب الجزيرة .. فأشعل جميع الاشجار نارا وجنود الأعداء  وجنود مصرين وحرب كأنها لم تنتهى بعد وكأنها قامت من جديد .. خرج من الماء مسرعا في تخفى وخوف شديد كى لا يراه أحد " أخذ سلاحه لبس سترته شد اجزاء سلاحه الألى  مختبأ خلف إحدى الأشجار المشتعلة " لمح جندي من الأعداء  قادم من ناحية الاشجار فضرب راسة بعيار ناري فشقت الرصاصة  راسة نصفين .. يتصاعد بجواره أصوات صراخ وعويل .. أنهم جنود ولكن مبتورة بعض أجزاء أجسادهم ؛ ووجوههم قد التهمتها النيران . ولم يبقى غير العظام . ولكن كيف تصرخ لا يعلم كان ينظر إليها ويتفقد منظرها القبيح وهيا تنظر إليه . ثم يطلق عليها النيران .. جاء جندي اخر يجرى بسرعة مهولة بتجاه مطاوع يبدو من سترته التى تغطى صدره أنه رتبة كبيرة .. ولكن من اسفل لا يوجد غير عظام فقط نصفه الاعلى مكتمل تماما ويتكلم ولكن من اسفل قدمه  ؛ فقط حاول أن يطلق النار على مطاوع ولكن هرع مطاوع مسرعا برميه بالرصاص فشق صدره .. فلم يصب مطاوع  شيء ؛ ثم لمح مطاوع أخاه  قادم من بعيد كان أخاه الاكبر قد استشهد في حرب ٧٣ ولكن كيف أتى اليوم راح يلوح لمطاوع بيده من بعيد . اقدم علية مطاوع فرحا لم يصدق احتضنه مطاوع فى لهفة اخيرا وجد رفيق فى تلك الأهوال حتى ولو كان خيالا .. وراح يتحسس جسده .. حتى ارتاب منه . وابتعد والتفت خلفة . فوجد قميص مشقوق من الخلف وظهره خاليا واجوف !! لا يوجد غير القفص الصدري  يحمل سترته العسكرية " علم أنه أيضا شيء من الجحيم مثلهم فأطلق عليه الرصاص. ؛ وخلع عن ظهر أخاه جهاز كان يحمله . أنه لأرسال الإشارات إلى مكتب إدارة الحرب . حاول جاهدا أن يرسل منه إشارة لقيادته واخيرا أصدر الجهاز صوتا .ولكن  أنه قائد يقول : إنه يوم النصر أنه السادس من اكتوبر لقد عبرت القوات المصرية خط برليف وعبرت القناة راح يبحث عن جهاز راديو كان بحوزته حين وصل الجزيرة حتى وجده وقام بتشغيله فوجد المذيع يقول : ايها الشعب المصري أنه النصر . ثم قال معكم المطربة الشابه المتألقة شادية ؛ ثم ألقت شادية اغنية ما شفش الولاد السمر الشداد .. فأخذ مطاوع الراديو وقذف به على الأرض فنكسر نصفين .. ثم سمع صوت أخر قادم من بعيد أنهم رجال كثيرين ولكن من الأعداء . فاختباء خلف شجرة . ثم صوب نحوهم وأطلق عليهم النار فتساقطت جثثهم على الأرض لكن واحد منهم اسرع خلف مطاوع وطعنه فى قدمة بسكين السلاح الآلي فصرخ صرخة عالية وسقط بقدمة على الأرض ثم تناول سترة أحدهم . شقها نصفين وربط بها على قدمه يوقف النزيف وراح يلقى بظهره على الأرض يلتقط أنفاسه . حتى اقترب منه أحد الهياكل العظمية مرتديا سترة جندي مصري كان يعلق على رقبته قلادة بها وجهان أحدهما طفل والآخر امرأة يبدو أنها لصورة زوجته وابنه . نزعها من رقبته واعطاها لمطاوع. مشيرا إليه ناحية البحر !! فيما معناه أن يبحث حين يذهب لبيته عن أصحابها " اخذها منه ووضعها فى سترته ثم ابتعد عنه الهيكل العظمى ولكن ثمة ضوضاء كبيرة قادمة وصوت دبابات وقنابل أضاءت نيرانها الجزيرة فقام مسرعا يجرى من النيران بالتجاه البحر ولكن قذفت به قنبلة مسافة كبيرة حتى جعلته يعود إلى المياه ثانيا . غاص بداخل الماء آفاق ظل يصعد حتى طاف على وجه البحر . مسح وجه وعينه ثم نظر فوجد النهار والشمس ساطعه فندهش كثيرا !! خرج من البحر والذهول يملاء ملامح وجه !! لا شيء مما حصل له أثر كأن لم يحدث شيء  مما جرى سترته كما هيا . وسلاحه كما هو . وكوب الشاى لم يزل ساخنا .. اقترب منه أخذ منه رشفة ؛ ارتدى سترته ؛ حمل سلاحه ؛ نظر فى ساعة يده وجدها الساعة السابعة صباحا !! ولمح الزورق قادم من داخل البحر . يحمل جندي جديد .إلى الجزيرة  فذهب بجسد مرتعش نحوهما سأله القائد اين الذخيرة ؟! فلم يجيب هبط الجندي الاخر مرحا . فرحان يسأل صاحبه هل معك ساعة اعرف منها الوقت هنا ؟ لقد نسيت ساعتى فنظر له مطاوع نظرة ساخرة ؛ ثم أجابه : لن تحتاج إليها فالوقت هنا يمر بين رشفة شاى وأخرى . وستجدنا امامك قبل أن يبرد فنجانك " قال الاخر هل ستحضر غدا ؟ فشرد مطاوع وامدد يده فى سترته فأخرج القلادة الخاصة بالهيكل العظمى . واندهش من وجودها فى الحقيقة !! ثم قال له : نعم سأحضر يوجد شخص لابد أن يعلم أن الأمانة قد وصلت إلى أهلها " ثم اختلط صوت موتور الزورق بصوت طيور النورس وراحت طيور النورس تودع من رحل من أرض الجزيرة لتبدأ على الجزيرة النبطشية الجديدة. 






Share To: