هي مفرد لكلمة طناطل تنتشر تلك الأسطورة في بلاد الرافدين، ويقال أن تناقلها قد بدأ في الحقبة السومرية في العراق، حيث ظهر ذلك الوحش الأسطوري الذي حبس الأنفاس، ولُقب على مر العصور بالطنطل، كالعادة حينما نتعمق في الأساطير القديمة نجد الكثير،والكثير من القصص والروايات التي تُنسج من خيط واحد وأسطورتنا اليوم تدور حول ذلك الكائن المرعب الذي بث الخوف في نفوس الكبار قبل الصغار، فلك أن تتخيل يا صديقى أن السيدات في الحقب الفائتة كن يلجأن لتخويف أبنائهم بالطنطل حتى يذهبوا في النوم.
تتضارب الأقاويل من هنا وهناك على الرواية الحقيقية وتنتشر أيضًا على مواقع التواصل كثير من القصص التي تتناول ذلك الكائن، فربما يبدأ الأمر معك بضغطة زر على أحد الفيديوهات التي تناقش ماهية ذلك الكائن لتجد ذاتك بعد ذلك غارقًا دون أن تدري في بوتقة البحث عن حقيقته.
لابد أنك تتساءل الآن عن صفات ذلك الكائن لذا دعني أسرد لك رواية الأسطورة الأكثر انتشارًا في شوارع العراق التي تتحدث عن الطنطل.....
يقال بأن الطناطل هي مخلوقات ذات قوى خارقة تناطح في قوتها الجن أنزلها الله لتحمى "الأشن" بعد أن أهلك الله ممالك جنوب وادي الرافدين لتجبرهم وكفرهم وخروجهم عن طاعته.
وصف الطنطل وفقًا لتلك الرواية يتناسخ مع الأحصنة المجنحة إلى حد كبير ولكن ما وصلنا اليوم يتنافى مع الاسطورة فالطنطل اليوم هو أكثر الكائنات شرًا ورعبًا حضوره كافٍ لإرباك أعتى البشر قوةً.
هل الطنطل كائن حقيقي يعيش فيما بيننا ويتكاثر، هل يظهر علنًا و ما مدى صدق تلك الأسطورة؟
إجابة تلك الأسئلة تكمن في القصة الآتية لذا تمعنوا فيما سيأتي، واحتكموا لعقولكم.
في إحدي الليالي الصيفية بمدينة أور عام ٢١٠٠ قبل الميلاد، التي تقع في تل المقير جنوب العراق وكانت عاصمة للدولة السومرية فاض الكيل بإحدى السيدات من أهل زوجها وحثهم له على الزواج بأخرى، كان الزوج المسكين يحاول بشتى الطرق ألا يصغى لثرثرتهم كي لا ينتهي به الأمر في فراش امرأة أخرى غير تلك التي خفق لها قلبه، باءت محاولاته بالفشل، وبدأت زوجته تتجرع مرارة الألم مرة بعد أخرى كلما طرقوا بابًا لتزويجه، لم تتحمل الأمر فانطلقت إلى الصحراء تجوبها بحثًا عن مساعدٍة تمنحها مذاقًا آخر لمتعة الحياة التي حُرمت منها.
جاءتها عجوز، وهي تبكي حظها العثر تحت أشجار النخيل، وطلبت أن تتبعها دون نقاش فدواء علتها مرهوٌن باتباعها لها، ظلت الزوجة تسير خلف العجوز مدة يومين، وكلما توقفت، أو خارت قواها تعود العجوز لها وتمنحها قطراٍت من سائٍل غريب يعيد لها قوتها حتى وصلت لكهٍف بلا مدخل، فانحنت و أمسكت براحة يدها حفنة من المال وألقتها في الهواء عاليًا فتشكل لهما بابًا من العدم.
ثم نظرت لها وأمرتها باتباعها، كانت الزوجة تود أن تعود أدراجها، وتذهب إلى المنزل وليتزوج زوجها بأخرى، ما الأمر الجلل في ذلك، ولكن كبريائها لم يسمح لها بتقبل الأمر فسارت خلف العجوز كالمنومة.
جلست العجوز أرضًا، و أشارت لها ألا تحدث جلبة، و تجلس مثلها، بعدها حضر شخٌص غريب الهيئة يرتدى عباءًة تخفي ملامحه، بالأحرى كانت عباءًة متحركة لا تظهر شيئًا أسفلها، جلس في هدوء، و أفزعها ارتفاعه في الهواء، فغرت فمها، و توقفت الكلمات في حلقها، و عيناها تأبى أن تصدق ما ترى رغم كونه أمر واقع، تحدث أخيرًا بصوت غليظ فقال لها...
- سأمنحكِ ما تريدين ولكن بعد وفاتكِ ستعود ملكيته لي.
نظرت له ببلاهة، وقبل أن تنطق بكلمة واحدة قال لها...
- طفل، سأمنحكِ طفلًا تلدينه من رحمكِ، سيكون لكِ عونًا في حياتكِ، و بعد وفاتك سيصبح لي.
لم تفكر الزوجة في شيء سوى أنها سترزق بطفل وتحافظ على زوجها وتمنعه الزواج بأخرى، أومأت برأسها وهي تبتسم، فأمرها بالاقتراب منه، كانت تشعر في كل خطوة تقربها منه باشتعال الحرارة في جسدها، وما أن مثلت أمامه حتى وضع يده على مقدمة رأسها، وبدأ يقرأ....
"بحق من جئنا، كرير، طوران ومجهل بحق برهش وغلمش وقلنهود امنحوها ما تريد في حياتها الفانية، وليكن لي بعد وفاتها آنيه..."
عادت الزوجة إلى منزلها، و ادعت أنها غاضبة من زوجها لسماعه لأوامر أهله، لتجده قد أعلن العصيان، وقرر ألا يتزوج عليها، عاشا في سعادٍة كُللت بعد فترة بنبأ حملها الذي بدأ زوجها يزفه في أرجاء مدينة #أور، كانت سعيدًة بشدة حتى أنها غفلت عن ذلك العهد الذي أبرمته، حتى جاءت لحظة المخاض، و لم يجد زوجها من النساء من تعينها في تلك اللحظة سوى عجوز عرضت عليه المساعدة، لم يكن يعلم من هي، فاضطر قسرًا للموافقة، و اصطحبها إلى المنزل، تجهم وجه الزوجة حينما رأتها، لكنها ابتسمت ببشاشة وهنأتها لأن حلمها أوشك أن يتحقق الآن، جاء الطفل إلى الدنيا، و تعالى صوت بكائه يدوي كالرعد في ساعٍة متأخرٍة من الليل، كان صوته غريبًا إلى حد جذب انتباه والده فلم يتمالك نفسه، ودخل عليهن ليراه، و لكنه فُجع بما رأي، و خر صريعًا مفارقًا للحياة.
أما الزوجة فأصابها الخرس مما رأت، لم تستطع النجاة ببدنها، واقتادتها العجوز إلى الكهف مجددًا، و ظلت به تسعًة وثلاثين ليلة، و ذلك المخلوق يقتات من ثديها ما يعينه، لم تكن تدري حينها هل رزقت بوحش أم انسان، كانت تنزوي بأحد أركان الكهف تذرف الدموع ليلًا ونهارًا، لا تستطيع الاقتراب منه، أو أن تلمسه بيدها بل كانت تمقته، وتتساءل دومًا هل هذا الشيء هو ما ضحت بكل ما تملك أملًا في الحصول عليه؟
وفي تمام الليلة الأربعون اقتادوها اليه فوجدته جالسًا كحيوان أليف بجوار ذلك الشخص ذو العباءة، والعجوز تقف بالجوار ثم قال لها، وهو يمسد على رأس الكائن....
- وعدت وأوفيت بوعدي ولكن انتهى الأمر الآن لا يمكنني تحملكِ أكثر من هذا.
وقبل أن تنطلق الدموع الحبيسة من أعينها كان المخلوق ينهش بمخالبه عنقها، وينحره فتناثرت الدماء في الأرجاء وظلت أعينها معلقة به تستغيث، و هي من حملته في أحشائها لكنه لم يملك لنظراتها جوابًا.
وبعد ذلك لُقب هذا المخلوق بالطنطل كناية عن الشر والأذي الذي يلحقه بمن يظهر له، فهو يملك القدرة على التشكل في عدة هيئات، ولكن مازال المتداول عن شكله هو أنه يمتل أربعة قوائم، و وجٍه شبه بشريّ، لكنه لا يستطيع المشي كالبشر ولا يستطيع التحرك كالحيوان...
Post A Comment: