وهبت لك أحلامي ياصديقتي، أندفع فيها بصبر يأكل فراغي، أقف فوق جرف الفنار يعلو فوق مني قمره المنير لتهتدي به"كريستينا" السفينة، تأخرت ربما، لعلها شاردة في المحيط، أرى أبدان متكدسة ظهر الماء ضيء الفنار يتطفل عليها بإستمرار ليس من بينهم سفينتي، الميناء الصغير لن يسع لهذا الحشد، ساعات إضافية من الإنتظار، سأبات ليلتي فوق الرصيف المتاح ضمن سطوح الأبدان المشردة فوق بقع الزيت و الشحم والرصاص وبول القطط والكلاب، ليس هناك من ترفيه إلا عربة الهلام وحلوى الشعر ونداء البائع بلكنة سريعة لا أفهم إلا أنه فرنسي يتحسس بحذر إنجليزيته الركيكة مع زيه الأبيض ولوجو العلم الفرنسي على صدره، الكل هنا من أعراق مختلفة سود وبيض وسياميين وقمحويين وصفر وبلا ملامح أحيانا، الأوساخ والرائحة والقذارة تجعلهم ذا قومية مشتركة، قومية التشرد التي سأنتمي لها ليلتي العطبة هذه، الجميع يحب الهلام المسكر المحتوى على خميرة ومذاق الكراميل، ورائحة السكر المحروق ويتجنبون حلوى السمسم المشعرة لأنها تلذع في الحلق، بجهد كبير دفعت عربة عجوز تبدوا سبعينية أو مشرفة على ذاك العمر، مكدسة بالأشياء وربما المئات من عبوات الكان المعدنية ونحو ركن معتم في زاوية متلاشية أسفل عمود إنارة إضائته منعدمة على رصيف قالت بإمتلكها له أربع عقود، قبل أن تحذرني من إتخاذ ركنها ملاذ في أي يوم من الأيام بإعتبار أني الرفيق الجديد وعضو أخوية التشرد في باحة الفنار المجهولة هذه، لم تسألني إسمي لكن أحدهم أخبرني عنها وبدوره حذرني بتحذيرها إياي مجددا من كبيرتهم الساحرة، قال لا ننعتها بالساحرة لأنها تأتي على أفعال غريبة، لكن كلنا هنا يعلم تأثير الأوساخ على جلد وجهها الذي تتشابه به مع القشريات وأنفها البارز وفلجة أسنانها في كل محدث غريب على الطريق تبتسم له فيلقى دون عنائها إيها الخبز والمرق أو أرباع السنتات، إنها الثرية بيننا، بقيت أراقبها في محاولة إهدار الوقت والتغالب على النعاس، يدي فوق صدري متحسس الكيس البلاستيكي الذي أودعت محتواه مئة دولار داخل جيب سترتى العلوي بإهمال، غير عشر سنتات أسرفت منها ثلاث على حلوى الشعر والجعة وأخيرا الهلام لصديقي الجديد الثرثار، والذي خبرني بالعجوز تطلعا لسؤالي عن الأموال بداعي الإقتراض أو التصدق إلى أن أخذ فوق الهلام ربع سنت، حارت به يداه فذهب وخسرة في لعبة قمار، وجلس بعيدا يراقبني بحسرة لعل تنفسه الصادح بالغضب يجلب له ربع سنت آخر بين يدى رآه، عزلت عنه نظري ورحت أراقب سمعي لتلاطم الأمواج ونعيق السفن القريبة والبعيدة والمغيرة فجأة لحظة دخولها غاطس الميناء.

هكذا ستكون الليلة حذر وترقب ومخاللة واقع فرض نفسه علي، حتى حضور كريستينا في الصباح، ربما سأحكي لكي عنها إن قابلتك وربما ستجدين أثرها على وجهي لكن أولا علي أن أقاوم إشفاقي لحالي كوني لن أطأ شاطيء المدينة التي أنتي بين أزقتها تقاومين ذكراي، في هذه اللحظة الآن أتمنى لو يصلك الخطاب، الخطاب الآخر منذ عرفت لكي عنوان، لقد تتبعت مسار إنتقالك وإستغلني حدثي منهمكا في ربط المسارات حتى جازفت بإرسال الخطاب الأول دون أمل في أن يقع بين يداكي، لكن الآن بعد تجاوبك هاتفيا وذكري لأخي تأكدت بحوزك هذا الخطاب، وجدت أنه لا مهرب من إرسال آخر أخير ضمن خطة ستنتهي عند شواطيء مدينتك الجديدة، رفقا بالورق المهترأ أرجوكي أمعني النظر وإقرأيه تحت إضاءة جيدة وتوقعي نهاية الجمل التي خشيت أن أعيد نقشها فتتمزق الورقة من حدة سن القلم الرصاص، تعلمين كيف أكتب وتدركين أني لا أملك إلا الكلمات، إنها تشبعني على عكسك فأنتى ذاهدة فيها تنكريها، إقرأيها لن تخسري إلا المجهود، ولا أود غيره حتى تعلمين كيف سينتهي بي الحال، آخر الورق في دفتري المصفر المهترأ وآخر عبث عبثت به معك وآخر الكلمات، تحكي قصة هروبي إليكي وتروي أحداث إعتناقي الكآبة واليأس والسقم، أخبرني أخي أنكي نعتيني بالقذر، لكنه يكفي أنك تحملتي عناء الإجابة على السؤال الذي كان،"  تعالي أو آتيكي!!، وعليكي الإختيار؟، قلتي فليأتي الشحاذ المشرد زحفا فوق الماء إن إستطاع، وها أنا أتهيأ للزحف والعبور، كريستينا بالعلم البنمي هي رمق الصبر والإنتظار، ذهبت للأرشيدوق، رجل فحل قذر الرائحة لكنه هنغاري يطلقون عليه الأرشيدوق، مدحت قذارته فمنحني تأشيرة التسلل على متن سفينة بنمية  تدعى كريستينا ميزها لي بأن أحرف الكلمة كابتال كبيرة بيضاء إلا السي الأولى زهرية اللون ستتوقف للوقود والدعم الفني والإمداد، علي أن أكون ضمن عمال نقل الجعة تجارة الأرشيدوق الذهيدة ، أربعة مشردين بالأجرة، أجرتي من بينهم البقاء في غرفة التخزين دون ملل دون طعام دون نفس دون حياة، كنت سأمنح المئة دولار لهذا الهروب ، قال لي الأرشيدوق لا أريد مالك انقل بضاعتي وتول نفسك بعدها لأنه أكثر ما سيفعلونه بي إن إفتضح أمرى أنهم سيلقون بي في البحر، ونصحني إن كنت لن أقوى على هذا فعلى أن أفضح نفسي مبكرا جدا حتى أكون قريب قدر الإمكان من الشاطىء، لا أعرف لماذا أغامر سوى أنكي بالضفة الأخرى، بالتأكيد لا تنتظريني ولن تعلمي بأمري حتى يصلك الخطاب، ربما لن يصلك أو مزقتيه لو رأيتي هيئته الوضيعة ولون ورقته الأصفر دليل أنه التابع لخطابي الذي سبقه،  إقرأيه لأني أنوي فضح نفسي على شواطيء مدينتك وأعلم أن بدني لن يحمله الماء ولا أنوي الإهتداء لشطك بل سأكتفي بالعودة عوم تطوف روحي أزقه عبرتيها  وليذهب الجسد محل تصرف الأقدار.
لم أوقع فأنت تعلمين من المشرد الذي إهتدى لك.








Share To: