حسين العنكود ـ كاتب من العراق
يخضع النص الشعري _ ليوجد _ الى عدد من من الشروط التي تمكنه من النضج الذي يمنحة احقية النفاذ الى روح المتلقي ، اهم هذه الشروط على الاطلاق ، العامل الجمالي الذي يختطف ذائقة المتلقي حال قرائته او الاصغاء له . فتى عراقي اسمه الشاعر زكي العلي تمكن من حيازة هذه الشروط عبر نصوص فائقة الجودة والأثارة ،لايتقن صناعتها الا شاعر يرتوي من الطبقات الخفية العليا للجمال فيدعوها للأرتواء من مناهله العذبة ،و الشاعر العلي حليف مخلص للجمال ،يعرف ذلك المتلقي وهو يلتهم نصوصه بنشوة فائقة وهي تبدوا له كضرب من ضروب الجمال الفريد.
ليس بالضرورة ان يكون الشعر مشروطا بالانتماء الى المنتديات او الاتحادات الثقافية وشاشات التلفزة ،ولايحتاج الشعر الى اعلان ،ملحمة كلكامش ظلت مطمورة تحت التراب 5 الاف عام وعندما تم رفع قشرة الارض عنها احدث هزة عنيفة تعادل 9 على مقياس ريختر المكون من 9. رجل المسرح البولوني تادوز كانتورحصر موضوعاته في قرية فيلوبول مسقط رأسه وفي ذكريات طفولته ،لكنه عرف كيف يصل الى مشاهدي العالم بأسره،ومثل هذا ايضا فعل زكي العلي وهو يرتقي باسمه على سلالم الابداع درجة درجة حتى صار متصفحه الشخصي على مواقع التواصل بالنسبة للمتابعين أشبه بحقل مغناطيسي هائل الاتساع لجذب هواة الشعر،بل أشبه ببقعة مثالية لالتهام جرعات من الجمال العذب ومزاولة تمارين التخيل الحر دون رقيب.
ان لم تشعر بالرجفة المقدسة أو البلل المبارك أو .. كما لو ان احدهم لامس روحك وحرّك احجار القاع الراكدة في القعر ، ان لم يشعر القاريء بذلك او بعض ذلك فعليه ان يعرف انه قد اهدر وقته خطأ بقراءة شيء يتعلق بالأحصاء أوالاقتصاد أو أعراض مرض الأنيميا أو أي شيء آخر بعيدا عن الأدب ،ولطالما زاولنا بحثا طويلا ومرهقا عن مشاهد فارّة تأبى الحضور فيلامس العلي عبر نص شعري فاتن وعميق بدقة ومرونة جوهرهذه النقطة الحساسة ويدلنا عليها بالتقاطة خاطفة،انه يرينا الجمال بشكل اكثر صفاءا كل ما لم يكن بامكاننا رؤيته منفردين كل ذلك لانه شاعر بارع ،وان براعة زكي العلي هذا الشاعر العجيب تتمثل في القدرة شعريا على التصريح عاليا بمايفكر فيه كل واحد في سرّه دون ان يجرأ على البوح به اودون ان يتقن الصيغة الجمالية التي تمكنه من توثيقه.ومع هذا وذاك ليس بوسع القراء المتذوقين سوى الفخر بان لديهم شاعر مهم في هذا القرن اسمه زكي العلي،يتابعه الجمهور بشكل يومي وهو يلهب المشاعر بكثافة الحس الذي يمنحه لنصوصه الشعرية الفاتنة ،ينشأ النص الشعري بود ومهارة بالغين كوليد حديث حتى يقف على قدميه بجدارة وقد طفت رغوة الرافدين على بوحه المشبع برقة اللغة المنتقاة بمهارة العارف، ،ولايتوقف حتى يعرف ان اي حرف زائد سيركعه ، ولايدعه حتى يثق بقدرته على منازلة الكثير من النصوص.
زكي العلي ،شاعر عراقي يعود بالقصيدة الى كرامتها الاولى ،يثأر لها عبر هذه الثروة اللغوية الهائلة،يدعو الاشياء الى الغناء وهو يسوقها باتجاه عصور البراءة الاولى ووجه الذاكرة النحيل وطقوس البيت العتيق و طفولتنا التي لاتكف عن النمو،أوكلما من شانه ان يزهر، ونشوة الحب ونعومة الغرام ورقّة المعشوق ونحن نشهد ازدهار كل هذا في جميع نصوصه ،وهو يرعى برقة قطيع الكلمات في حقول مثمرة بالنيلوفر حتى تشبع ، دون ان ينسف الاسس التي يشترطها الشعر، متجنبا الفجور اللغوي الذي يدسه بعض الشعراء في محاولة للاختلاف عن السائد ولايدرون او (يدرون) انه يصيب الذائقة بالعطب ذلك ان العالم بحاجة دائما الى نص ناصع ورقيق يهيمن على ذائقته المهددة بالتلف . والعليّ ذهن متقد وفطن على نحو مايقول الاغريق ،يميز بما يناسب ذائقة الملتلقي ومالايناسب ، محافظا على وفائه لهذا التمييز ،ولكن بتمايز جوهري، متخطيا عتبة الوعي ومتجها مباشرة الى منابع الجمال ،شاعر خصب، يجلد اللغة بسوط رقيق ليرغمها على الارتعاش اثناء العمل فينبثق البرق ليضيء العالم، يضارع يقظة الكلمات ،ويسعى جاهدا ليهبنا احدى مسرات الشعر الاكثر اثارة للدهشة وهوغاطس في تأملاته كحالم، ليساعدنا على الحلم بشكل افضل . يجدل اللغة بالموسيقى بمهارة فائقةـ يغازل المفردات ويتحالف معها ،يمتلك قدرة ارغامها على المجيء في اكثر اللحظات حرجا، لحظة الشدة الفضيعة كما يسميها كوكتو ،يطير اليها ويقنعها بالحضور، فالشاعر كائن خفيف يحمل اجنحة وفقا لأفلاطون،يناديها برجاء ذلك ان اللغة مرنة ورقيقة ورحيمة تنفر من الشدة واللي والكسر ،وقبل ان تكتمل نصوصه ينضجها في افران الدهشة مثل طباخ ماهر، يغادر ببسالة سطوة القيود الشائعة وهو يحطم الاشكال التقليدية ،مااسماها كوكتو ايضا بمؤامرة الاسلوب والقواعد،وهذا الجهد الذي يبذله الشاعر العلي ثمرة كفاح مرير وصبر عظيم، هذا الانغماس في الكفاح ، حجر الاساس لكي ماياتي بعده،لذلك منح نصوصه متانة خالصة مكنتها من مقاومة الصدأ الذي طمر كل النصوص الهشة في مهاوي النسيان ،اذن نحن امام شاعر أتقن شروط الابداع عبر سعي حثيث يعد بأعطيات مدهشة في حقل الابداع الشعري، التحالف المتين بين المخيلة واللغة ،التحالف الذي ينتج لنا نصوصا رقيقة بمهارة بالغة. . واذا كان مسموحا لي ان ادفع انطباعي الى الحد الاقصى فلست قائل غير انني صفر امام هذا التعدد الذي اسمه الشاعر زكي العلي.
Post A Comment: