بدأت الحياة بتكون بسيط من أفراد وجماعات وتطورت الى شعوب كبيرة تحت ثقافة واحدة ونظام واحد، تركيبة الإنسان البيولوجية هي البناء وترسيخ ثقافته ومعتقداته؛ من خلال تشكيل حضارة عريقة تحمل المبدأ السامي الذي وُلد ونشأ من أجله وهذه الحضارة هي الكيان الثقافي الأوسع الذي يضم الجماعات الثقافية من القبائل والجماعات العرقية والدينية والأمم وفيها يُعرف الإنسان عن معتقده وتواصله وأصله وثقافته والتزاماته( الدين، اللغة، التاريخ، القيم، العادات) لكن سرعان مانقسمت هذه الحضارة وبدأ الصراع لأسباب مختلفة كالدين والسلطة والنفوذ وبدأت كل حضارة بتشكيل نظام جديد مختلف وبدأت التفرقة والتنافس السياسي والإقتصادي والإيديولوجي حتى تقسم العالم الى مجتمعات فقيرة وأُخرى _ذات ثروة عالية_مسيطرة.. لكن هل هذه الأنظمة الحديثة ستشكل نزاعًا جديدًا بين المجتمعات الأُخرى؟ 
وهل سيكون هذا الصراع سياسيًا ام اقتصاديًا ام ثقافيًا؟.



يتكوَّن الغرب من أوروبا وبلادٍ أخرى استوطنها الأوروبيون قديمًا مثل كندا، وأستراليا، وأمريكا، في حين يتركَّز العالم الإسلامي بالأساس في شمال إفريقيا والأجزاء الأخرى من آسيا، والتي يطلق عليها الآن مصطلح "الشرق الأوسط" هذه المناطق المختلفة بثرواتها ومناخها ومواقعها الإستراتيجية هل ستشكل حروب سياسية واقتصادية؟
يقول صمويل هنتنغتون أن الصراع في العالم الجديد لن يكون اقتصاديًا او ايديولوجيًا، بل سيكون صراعًا ثقافيًا وانقسامًا كبيرًا بين البشر، فكان قديمًا صراع كبير بين الملوك والأباطرة ثم انتقلت الى الشعوب"الدول القومية" ثم بين الأيديولوجيات، ولكن في النظام العالمي الجديد حيث يُعتبر الدين القوة المركزية لتحريك البشر فلن يكون الصراع أيديولوجيًا أو اقتصاديًا بل صراعٌ عن الدم، العقيدة، الأُسرة، هذا ماسيحاربون من أجله ويموتون في سبيله.

يوضح "هينتنغتون" نظريته حول الصراع الثقافي في النظام الجديد بالشعوب التي تفصل بينها الايدولوجيا تجمعها الثقافة وتقرب بينها كما فعلت الألمانيتان والكوريتان..
المجتمعات التي اتحدت عن طريق الايدولوجيا أو الظروف التاريخية ولكنها منقسمة بسبب الثقافات والمعتقدات، إما أن  تتقسم كما حدث للإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا والبوسنة أو تتعرض لتوتر شديد كما هو الحال في أوكرانيا ونيجيريا والهند وسريلانكا وغيرها، الستار الحديدي الذي كان يفصل أوروبا هو نفسه اليوم الخط الفاصل بين شعوب المسيحية الغربية من ناحية والشعوب الإسلامية والارثوذكسية من ناحية أخرى، عمليات إحياء الدين تُقوِّي من الفروق الثقافية بين الشعوب المنتمية إلى حضارات مختلفة، فمثلًا السعودية _ في الحرب بين البوسنه وصربيا _ قدمت المساعدات للبوسنه بينما روسيا تساعد صربيا ليس للإتفاق السياسي أو مصالح اقتصادية وإنما للقرب الثقافي المشترك بينهما.



في عام 1994م حيث هيمنت الصين على العالم في التكنلوجيا والإقتصاد وأحدثت تغيرًا كبيرًا في تاريخ الإنسانية، هذه الهيمنة ستقلل من عدم الإستقرار في شرق آسيا وستجبر الولايات المتحدة على قبول ماكانت تحاول منعه على مر التاريخ فهيمنة الولايات المتحدة يتوقف على جزء بسيط مما أحدثته الصين، فقد صرح أحد قادة الصين قائلًا: " نحن الصينيون نشعر بالقومية كما لم نشعر بها من قبل ونشعر بالفخر لذلك"..
 هذه العودة الحماسية إلى القيم الصينية تجعل من الديمقراطية سيئة السمعة، هذه النُظم والمعتقدات قد تتسبب في اندلاع حروب كبيرة بين الشعب المختلف في الثقافات والعقائد، ففي القرن العشرين كان المثقفون الصينيون يعتبرون الكونفوشية مصدرًا للتخلف، بينما علماء الاجتماع الغربيين يحتفون بالكونفوشية كمصدر للنهضة الصينية.

ربما يكون ماضي أوروبا هو مستقبل آسيا التي سيكون خيارها الوحيد بين قوة متوازنة على حساب الصراع، أو سلام مضمون على حساب الهيمنة، بينما المجتمعات الغربية قد تختار الصراع والتوازن فكل من الآسيويين والمسلمين يؤكد على تفوق ثقافته على الثقافة الغربية بينما الناس في الحضارات غير الغربية الأخرى ـ الهندوسية، الأمريكية اللاتينية، الإفريقية ـ قد يؤكدون على الشخصية المتميزة لثقافتهم ولكنهم منذ منتصف التسعينات أصبحوا يترددون في إعلان تفوقهم على ثقافة الغرب، الحضارتان الآسيوية والإسلامية تقف كل منهما منفردة في ثقتها المتزايدة وتأكيد نفسها بالنسبة إلى الغرب وأحيانًا تقفان معًا لقربهما الثقافي والعقائدي.


أثناء الحرب الباردة كان يمكن أن تكون هناك دولة غير منحازة كما كان عدد كبير بالفعل أو كان بإمكانها كما فعل كثيرون أن تغير انحيازها من جانب إلى آخر، كان يمكن لقادة تلك الدول أن يختاروا على ضوء إدراكهم لمصالحهم الأمنية وحساباتهم لموازين القوى وخياراتهم الإيديولوجية، ففي العالم الجديد أصبحت الهوية الثقافية هي العامل الرئيسي في تحديد صداقات دولة ما وعداواتها، فبينما كانت دولة ما تستطيع أن تتجنب الانحياز أثناء الحرب الباردة إلا إنها لا يمكن لها أن تفقد هويتها.


إذن السياسة الكونية يعاد تشكيلها الآن على امتداد الخطوط الثقافية مدفوعة بالتحديث، والشعوب ذات الثقافات المتشابهة تتقارب، والشعوب والدول ذات الثقافات المختلفة تتباعد والانحيازات التي تعتمد على الإيديولوجية والعلاقات مع القوى الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد على الإيديولوجية والعلاقات مع القوى الكبرى تفسح الطريق لتلك التي تعتمد على الثقافة والحضارة بينما الحدود السياسية يعاد رسمها لكي تتوافق مع الحدود الثقافية، العرقية، الدينية، والحضارية، اذن فالمجتمعات الثقافية تحل محل تكتلات الحرب الباردة، وخطوط التقسيم الحضاري بين الحضارات تصبح هي خطوط الصراع الرئيسية في السياسة العالمية.







Share To: