مؤلف مشترك بين الأديبة اللبنانية عناية الأخضر والشاعر  العراقي إبراهيم مصطفى الحمد ، عناية تكتب النثر وإبراهيم وبنفس المعاني يجسد ماكتبت شعرا موزونا مقفى لم يخرج عن دائرة المعنى ،وتلك فكرة رائعة لم أشهدها من قبل وقد صوّر الشاعر إبراهيم  ذلك التمازج والتلاقح الفكري ببعض أبيات وردت في مقدمة الكتاب للدكتور عباس فتوني .
مزجنا مجدَ عاملَ بالعراق
بأحرفنا العليات العتاقِ
وصرحَ عاملٌ بالضوء لما
أتى نخلُ العراق على براق
بأرْزَتِنا يفوح الفجرُ عطرا
ونخلتنا سما بها التلاقي
قالت عناية ترثي أباها وعنونت نثرها ( أبي عاد الشتاء ) ص ١١
عاد الشتاء ولي حبيبٌ لن يعود
هل محال أن أراه من جديد ؟
أخبريني ..
يا وريقات الخريف
عن لحودٍ وارت الجسد الشريف
هل يبللها البكاء ؟
هل تحجب الدمع اللحود ؟
هل تحجب ماء الشتاء ؟
أخبرني عن حبيب
كان من قلبي قريب
كنت أناديه بهمس
قبل أن أشكي يجيب .........
ثم انبرى الشاعر ليكتب بنفس دائرة المعنى
على بحر الكامل ص ١٣
عاد الشتاءُ فهل يعود حبيبي 
أم ليس تُدركُ ما النداء قلوبُ
ما عاد من جفن الردى طول المدى
أترى أبي بعد الفراق يؤوبُ 
ألقيت في ورق الخريف تساؤلي
فأتى جوابٌ مثقلٌ وكئيبُ
إن الذي تحت التراب يسفُّهُ 
وعليه دمع الثاكلين صبيبُ
لا لن يعود فرحلة الموتى طريقٌ 
واحدٌ وبه اللقاء يخيبُ
بالله يا ورق الخريف وكيف لي
بلقاء من قبل السؤال يجيبُ
أذا أمعنت ستجد المعاني بين النثر والشعر موظفة بطريقة رائعة ولا يخرج عن دائرة المعنى
قالت عناية في ( حكايتي ) ص ٣٥
سأسردُ لكم حكايتي
مذ ذلك الحين القديم
حيث استرقتُ السمع وكانت العرافة 
تحكي عن النبأ العظيم 
قالت :
سيكون في طرف الزمان غولٌ لئيم ...
يقتل بإسم الدين 
يذبح بإسم الدين
يستحي النساء بإسم الدين
ويتبعهُ همجٌ رعاع 
يرتكبون الفحشاء ويحرقون الأسير
ستئنُ القلوبُ
وتبكي العيونُ
وتعزف البومُ 
الحانَ الوداع 
فكل حيّ يبكي فقيده وحوله أشلاء ........
ورد إبراهيم شعرا على بحر البسيط ص ٣٨
سردي حكايةَ أزمانٍ غدت ومضت
من وحي عرافةٍ عما مضى تروي
وكان مما روت غولٌ يجيء على
أطراف رحلتنا بالدين يستقوي
فيذبحُ الناس يستحي النسا وله
أتباعهُ همجٌ منا بنا يكوي
فلا أسير لديه حرمة بهم
هم يحرقون نداء الله في المروي 
تبكي القلوب دما منهم وتنعب في
أصقاعنا البوم إذا أرواحنا تعوي ......
هنا تمعن ستجد معاناة الشاعر إبراهيم كبيرة جدا وللغاية لسببين الأول: أن الشاعر ملتزم بالمعاني وهذا يخرج من عملية الشعر للنظم والصناعة بسبب قيود المعاني والثاني: قيود الشعر العربي الأصيل من وزن وقافية ورغم ذلك رأينا الجمال الذي لا ينكر وبهذا تكون مهمته أصعب من مهمة عناية  .
إن اختلاف المبنى واتفاق المعنى هو إجتماع لروحين محلقين في الجمال من خلال اللغة الساحرة التي أبهرت العالم ألا وهي اللغة العربية ناهيك عن مصدر الروحين المحلقتين في واحات الإبداع والجمال بين لبنان والعراق ، ومن الجميل تعدد أغراض هذا المؤلف في الغزل والوطن والرثاء والأمور العالقة بالإنسان وهذا المزيج دلالة على تلاقح الأفكار معا فالمعاناة مشتركة مابين الشاعرة والشاعرة فلم يجدا وسيلة إلا التعبير من خلال اللغة الواحدة ولكن بطريقة النثر والشعر وهو هجين الشعر والنثيرة .
قالت في ( كم غريبٌ أنت ) ص ٨٦
أيها الغريب
كم غريبٌ أنت
كغروب هذي الشمس ..
عند سطوة عينيك الجرئية
تغازل في طيفي الغسقي
وحمرة وجنتي
وخجلة مقلتي البريئة
غريبٌ أنت .. كغربتي في بُعدك
يضيع مني كل شيّ
وتبقى أنت 
كل مالدي .....
فيرد قائلا ص ٨٨ على بحر الرّمل
كم غريبٌ أنتَ واستعمرت ذاتي 
جئت كالشمس بأنواع الصفات
وبعينيك غزلت الحبَ شعرا
مستحيلا فوق جمر الوجبات
كم تغزلت بطيفٍ غسقيٍ 
مرّ مني بصراع اللفتات 
كم غريبٌ أنت في قربٍ وبعدٍ
مستبدٌ بي وما فارقت ذاتي ......
أن سلطة الشعر العربي هي سلطة تذوق تاريخية واسعة ومؤثرة في حقل التلقي وسيبقى الشعر الأكثر حضورا في وجدان العربي ، والحق يقال استمتعت بهذا التجربة الرائعة التي ترجمت الجمال لنا واضحا ونحن نشيد بجهود الشاعرة عناية الأخضر والشاعر إبراهيم مصطفى الحمد ونبارك لهم هذا المنجز وإلى مزيد من التقدم والإبداع. 
طبع الكتاب في دار الأمير للثقافة والعلوم بيروت / لبنان ووقع في ١٩٢ صفحة وقد أمتدت رحلة السندباديات إلى ٣٥ قصيدة وكانت رحلة رائعة رغم المشاق والمعاناة .






Share To: