من أجمل ما كتب أنيس منصور من وجهة نظري المتواضعة كتاب" في صالون العقاد كانت لنا أيام " فهو واسطة العقد في كل: إنتاجه الغزير ودرته الفريدة، في كل ما كتب من دراسات وفكر وسيرة ذاتية وأدب رحلات .... ناقش العقاد وحلل في هذا السفر النفيس أغلب تيارات الفكر والأدب والفلسفة المعاصرة... كانت المناقشة و المنافسة أيضاً بينه أي العقاد في مواجهة: جيل كامل اجتمع واحتشد متسلح بمعارف وعلوم شتى وقراءات من العيار الثقيل ..كان من ببن رواد الصالون قامات من المفكرين والأدباء منهم زكي نجيب وعلى أدهم ورجاء النقاش وجلال العشري وبالطبع أنيس منصور...جميع الحضور جاء يناقش وأحيانا يجادل بحدة ذهن وشغف وشوف لا حد له ورغبة في المعرفة بأسلوب به بعض الحدة حينا أثناء مناقشة العقاد رغبة منهم في إثبات للذات أمامه.... طال النقاش والجدل والحوار كل شيء له صلة بالمعرفة من أديان، وفكر، وفلسفة، وتاريخ،وحروب صعدت بأمم حطمت أخرى... أما التيار الخفي الذي لا يظهر على السطح ......بدا أنه تصوير وتقييم العقاد عملاق الفكر العربي من وجهة نظر الجبل أثناء السجال الثقافي الساخن وكأنها معركة ولابد فيها لمنتصر ...ومع إستمرار النقاش بدا العقاد أثناء ذلك كشجرة سامقة شامخة، وبدا تضاءل وتواضع مستوى المتناقشين معه وبدت الغلبة واضحة له ... حتى كان يصمت أحدهم تلو الآخر تعبير عن هزيمته والتسليم لمنطق العقاد وحججه القوية التي يلقيها تباعا لتهوي بقضايا منافسية.
بدا واضحاً أن هناك فرق شاسع بين العقاد وبينهم من التكوين والقدرة على إقحام الخصم.. بدوا كحشائش أو نبتا صغيرا بحوار شجرة العقاد العملاقة السامقة الوارفة الظلال ... الكتاب أيضاً تقييم لمكانة العقاد الفكرية والفلسفية والأدبية من وجهة نظر الجبل أو ... و تقييم أيضاً لمكانة العقاد لفكره ومكانته من وجهة نظر أنيس منصور مؤلف الكتاب وهذا واضح تماماً لمن يقرأه ... وعلى الجانب الآخر "الكتاب" تقييم لفكر وأدب ومكانة أنيس منصور من وجهة نظر العقاد.... فالكتاب بداخله عدة وجهات نظر متبادلة وهذا سر روعته.... ناقش الجيل مع العقاد كثير من تراث البشرية في شتى شئون المعرفة... كل شيء شغل العقل في الماضي: أدب فكر ،فلسفه ،تاريخ ،أديان لم يتركوا شيء من إنتاج العقل الإنساني إلا ووضع تحت التشريح بعد أن حملق الجميع فيه بحدة ذهن فجاءت المناقشة غايه في العمق غايه في الشمول..
وسط كل الخضم والكم المهول والحضور الذهني المتيقظ الذي يحمل من خلاصة فكر البشرية كم لا يستهان به :كان يجلس أنيس متسلح بعقل يقظ ونفس تواقة إلى المزيد ولسان حاله يقول ليت هذا الحوار والنقاش لا ينتهي ابدا... فهذا عشقه الحقيقي وحياته التي يتمناها لذهنه هو في وسط عالمه الأثير عالم: الأفكار: عالم الكتب, عالم المناقشة, .فقد هرب أنيس من حياته الضيقة ومشاكله الصغيرة إلي دنيا الكتب الواسعة هرب من تفاصيل يومه الممل علي حد قوله..
اختزن كل ما سمعه وقيل حضوره و جلساته الممتدة في الصالون عشرات السنين أثناء الحوار بين الجميع بداخل عقله الذي يلهث خلف كل فكرة أو كلمة وبنظراته حتى لا تفوته شاردة أو واردة يسجل كل شيء مناقشة جمعت بين عمق التناول و حرارة وجرأة الطرح بأسلوب وأحيانا صادم وحينا ساحر وأحياناً أخرى رشيق سلس تتراقص الكلمات فوق الورق والسطور وتطرب لكل ذلك النفوس..
إنه سفر نفيس وشهادة لجيل من المفكرين على عملاق من عمالقة الفكر وشهادة أيضا من جانبه على عليهم وشهادة من أنيس منصور على الجميع هو أيضا شهادة العقاد عن أنيس منصور.... الكتاب تحتار في وصفه لأي نوع من الكتابة ينتمي ولكن أقرب تصنيف له هو السيرة الذاتية ولكنه أدب و فلسفه و تاريخ وفلسفة أديان وفلسفة تاريخ هو دنيا وحياة بأوسع معاني الكلمة ... صاغ أنيس منصور كل المناقشات التي دارت بين العقاد وبين الجميع بأسلوبه السلس السهل الساحر فلديه القدرة على توصيل أفكار غيره للقراء و بخبرته التي اكتسبها في حياته في دنيا الكتب إذا امعنت النظر في هذا كأنك تري أنيس منصور انتدب نفسه للتفكير نيابة عن البشر جميعا .فهو صاحب نفس تتساءليه قلقه وعقل باحث في ألغاز الوجود ببحث عن إجابات لها أو قناعات عقلية ونفسية تجد هذه الكلمات في كتابته المصير الوجود الحياه الموت دائمآ يتنقل بين المذاهب الفكرية الأدبية الفلسفية عله يجد سكينة لعقله القلق لنفسه الغير مطمئنة ولكن يحدث العكس وتزداد الحيرة ويزداد القلق الوجودي والنفسي. من يقرأ له وأنا منهم أتمني أن لا تنتهي الحيرة ولاينتهي القلق لأنه يمتعنا أكثر بالكتابة في حيرته من جديد ... فهر ترحال وابحار رائع في دنيا الفكر والثقافة...
إبراهيم الديب
Post A Comment: