قد صعد الى القطار الحضري وسط المدينة في يوم ياقض، شديد الحرارة،  منتصب القامة شديد البنية،  غزير اللحية...  يرتدي بدلة شتوية داكنة اللّون، واضع رباط عُنقٍ يتأرجح في صدر قميصه الأحمر.. 
أدار بصره بين المقاعد ثم اتجه في ثقة الى طفلة مُراهقة وطلب منها القيام ليجلس مكانها.. !
تبيّن انه قد تجاوز العقد السادس من عمره،  فمُه خالٍ تمامًا من الأسنان التي لم يستبدلها بطاقم ..
بعد بُرهة من الوقت وفي إحدى المحطات ساحة المدينة خلا مقعد أمامي،  قام من مكانه واحتلّ المكان الشاغر بجوار نافذة مفتوحة،  وتنفس الصعداء ..
فجأةً..  صرخ بصوتٍ عالي ومرتفع؛  حتى في إعلانات الإشهار يخطئون في اللغة والكتابة!! 
تصوّر هذا الخطأ الواضح الشنيع،  يكتبونه في إعلان بالحروف الكبيرة لتقع عليه أبصارنا جميعاً، وتنتقل عدوى الجهل!! 
فيما مضى كان يقوم بهذا العمل ٱناس مختصون،  اما الآن وكأننا في عُكاظ...  وهذه النتيجة! 
لم يُجبه احد فاضطررت ان اهزّ رأسي موافقاً حتى لا ٱسبب له حرجاً ..
ابتسم ثم استرسل لي؛  مستوانا التعليمي في هبوط يابني وخاصةً في لغة الضاد،  ولعلك من الجيل الجديد...  موجهاً حديثه إليّ- كنت مدرساً للغة الفرنسية بعدّة مدارس، وثانويات... كنّا شيء آخر، مُدرسين و تلاميذ - ثم انتقلت بعد ذلك الى مناطق أخرى منها النائية ومنها الظليّة،  اصطدمت هناك مع مُدراء ومستشارين ... تنقلت بين العديد من المؤسسات التعليمية والمراكز،  هنالك الناس طيّبون على الفطرة،  ولقد أنفقت الدولة لمحو الأمية هناك مبالغاً كبيرة تكفي لمحو الأمية فذ الهند كلها...! 
ظُلمت أنذاك لأنني لا ٱجيد، مسح الأحذية!  كان زميلي، في العمل يزاول عمله يوم بيوم وقد، تحصّل على أجر يفوق أجري برُبع أجري في الشهر، لأنني رفضت ان أدفع رشوة! 
لقد قرأت أخيرًا كتاباً باللغة الفرنسية ل400 صفحة عن مُشكل التعليم في الوطن العربي،  تحليل رائع ودراسة عميقة للمشكلة من شتى أبعادها وجوانبها...  تصوّر يا بُني لم أقرأ كتاباً مثله باللغة العربية!!؟ 
ـ عندما هممت بالتحرك استعداداً لمغادرة القطار ، نظر إليّ وأبتسم مرّة ثانية و غمغم؛  سعدنا بالحديث معاً ياصديقي،  والقطار هو وسيلتي المفضلّة لقضاء الوقت في النهار، لأن  بقائي في البيت معناه المزيد من الشِجار والخِلاف والضجيج...  مذا نستطيع أن نفعل!!  هذه الحياة.. 
ثمّ كررها مرة ثانية باللغة الفرنسية السليمة،  و دار برأسه وعينِيه يبحث عن شخص آخر يبادله الحوار أو يستمع أليه... 

                                                                 -يـتـبـع..






Share To: