" هذه المكاشفة لا تكون إلا بين صديقين عزيزين، فحدثني عن ما يمكن أن يجعلني بقيمة، على الأقل لديك، فلو كان غموضي أو حتى ضعفي سمتي الرئيسية، إكتشفني إذا، أنت الرجل، إكتشف حقيقتي"
... تسائلت لو كانت الكلمات تتحدث بها، عليها أن تقول شيء، أن تقول مرحبا، أنا هنا، لا أريد لأحد أن يتحدث عني، تنبهت وتسائلت عن الكاتب، أهو رجل أم أنثى، إسمه الأول"أمل"، واللقب لا يهم، لم تنتبه أن العودة إلى الكاتب والتساؤل حوله قد يفقدها وعي الرواية، هو يتكلم على لسانها أو هي تتكلم عنها، ما الفارق، الأهم أن هنالك شيء من علاقة بدأت بالحديث بينها وبين الكلمات.
بالقلم الرصاص في حاشية الصفحة البيضاء كتبت فيما بدا لها أنه تكملة للفقرة التي قرأتها" ثم إني أظن بأننا صرنا عزيزين بحق، دعنا نتحدث بهكذا منطق ومنطلق، فأنا أريدك أن تعرفني بقدر ما أريد أن أعرف المذيد عنك"؛
وضعت القلم وأخذت تنصت للكلمات" إننا ياعزيزتي في موقف فريد، كأننا في واد من الجنة، وبعض الفضائل تغتسل هنا في هذا الجدول الذاهب إلى أبعد مدى لا ندركه، والفضائل وإن كانت بحق فضائل فإنها تبقى على هيئتها، أما وإن كانت غير ذلك فهي تختفي، والأمر بارقة جمال إذ أنه بمسحة ماء رقيقة نستطيع أن نتعرى أمام بعضينا، وأن نكون نظيفين من أوساخ الحياة، ربما نجرب!! "؛
إستلقت وتصورت المشهد، إنما خيالها يابس لا تستطيع معه التأمل، أمسكت القلم وكتبت، " أخشى أن لا يبقى مني شيء"
شطبت الجملة وكتبت، " ربما في وقت لاحق فحسب"؛
قلبت الصفحة وإذا به يقول" مقاربتي تلك فشلت في إقناعك، أنا أيضا فشلت في تطلعي، بينما الإنسان من تربة نفسه، يفلح وحده في طينه، إذ أنه لا أرض يسقط فوقها ذبوله، أو سماء تزهر خلالها حياته، هو ليس هذا الطين الذي يخرج منه النعناع أو زهرة الأوركيدا، زرعه في نفسه لا يطرح إلا رائحة النعناع وجمال الأوركيدا، رغم كل هذا، للإنسان أطوار غريبة لا تكون دواخلة مشاع إلا إذا أفلح في تربته متطفل، أو محب!!؛
بالرصاص علقت" لم أحسبك متطفل يا سيدي، بينما اردت التأجيل، حيث أن الحياة خادعة، ربما سمعتني وأن أهمس عن خشيتي من كوني غير صادقة جدا، أو لا أعلم كوني كذالك أم لا، أنا بحق لا أعلم"؛
وجدته يصف نفسه حائر، ينظر إلى إنزواء النهار، كنهاية أو بداية ويطلب منها أن تقرر، " عليكي أن تقرري نهاية لهذا النهار، فهو على مفترق كنصل سيف، إما أنه قد يتكرر عبر إنشطاره، فنعود بالغد نتسائل من جديد عن صداقتنا، أو يتماسك حتى يموت موتة الصبر الرحيم، ونطالع بالغد نهار مختلف".... قبل أن يكمل تسائلت!!!، وبدا كأنه قاطع تساؤلاتها، " أما الليل فمرحبا، في الليالي علينا أن نكون على هيئة سكونها، ومودتها فلنحرص على الهدوء عن السؤال والتفكير والمرح والصياح والضجيج!!"؛
لمعت عيناها، بدأت تفهمه، حبت فوق مستوى الحديث و كتبت، " تلك الولادة المتجددة للنهار، أيجب أن يكون قرارها عائد لي وحدي؟، أعلم أنني صاحبة القرار وهذا منح منك لي، لكنك الآخر المنتظر المتمني، إنك كمحب لي، وجدتك أناني جدا، أن تمنحني كل تلك الحرية وحدي، ثم كيف لي أن تهدأ لياليا، كيف يتوفر لي هذا النعيم بينما تخيرني بينك وبين السقوط في نفسي، تسلبني نفسي ثم تقول، قرري أينما السقوط، فلا أستطيع أن أهوي إلا فيك!!؛
سمعت صوت له بين الكلمات، صوت عائد من ذكرياتها، كأنهما تقابلا من قبل و في كتاب آخر، بدا كأنه متجسد هادىء ينظر لها" دعيني أقف في المنتصف من حيرتك وحيرتي، أنتي صادقة، أحببتك، وفي ذاكرتي لا يتساوى الصدق والكذب، حين كنا في موعدنا التمهيدي لم تسعفني الكلمات لكي أبادر بإعجابي بك، ونظرتك الأخيرة لي أودعت داخلي إحساس بأنك مترددة، كان علي أن أتسائل، ولو بين نفسي، عن جبني، وعن ترددك، ربما لو كنت طعنت ترددك بهذا الإعتراف، لكنا قد تجاوزنا هذا الموقف، والذي جعلك تنتظريين أن أكتب لكي رسالة، تحوي أي شيء، ربما مرحبا، أو كيف الحال!!"؛
إختزلت المواقف المشابهة كلها فيما مضي من حياتها، جمعتها وإختصرت المؤثر منها، تذرف دمعة سكلى أحيانا، وأحيان تحبس أخرى، ربتت بيدها على صدرها تطمئن نفسها، ثم تحث مخيلتها همسا، قولى له كل شيء لا تختصري، تنهدت وأخذت عميق الأنفاس وإبتسمت إلي قلمها وإستدعته،" لكنا يا حبيبي مازلنا على الجدول والنهار لم يقلع بعد، الآن سمحت لك أن تفلح في تربتي، عليك أن تحسن إلي، كيف ؟؟لا تسأل، الليل قادم، معه لا تهنأ التساؤلات فقط قل لي أن جميع ما كتبت هو لي وحدي، دون الأخرى التي تجاوزت ردودها في كتابك وأجبتك أنا بدلا عنها، ستكون القفزة الأولى لي وتوقع أني سأختفي، تحضر لتلك الفجعة، سأختفي لأنه ومع حبك لا أمتلك أية فضائل"؛
طوت الكتاب وتناولت هاتفها، ترددت على إسم المؤلف، حفظته ذاكرتها، وكتبت في خانة البحث، مكاشفة رواية للكاتب أمل ملهي، ظهرت لها سيدة بعقدها الخامس تقريبا، قالت في تنمر" لا فضائل يمكنها أن تبقى ولا تختفي".
#رامي_حلبي
Post A Comment: