إن الإسلام بشريعته الربانية قد سدَّ منافذ الخطر بتشريعات تحدُّ من طغيان الغِنَي الذي يستولي على النفوس البشرية ﴿ كَلَّا إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآَهُ اسْتَغْنَى ﴾ [العلق:7،6]. وذلك بمنع الربا والرشوة والاحتكار وتلقي الركبان واستغلال حاجة الناس، وغير ذلك من أنواع المعاملات الفاسدة التي تضر بالمجتمعات البشرية وتكون سببا في الخوف والجوع والفوضى. وأوجب للفقراء حظا في أموال الأغنياء، وفتح أبواب البر والإحسان، ورتب على ذلك ثوابا جزيلا مع ما يناله المحسن من البركة في أهله وولده وماله، وما يدفع عنه من السوء والمكروه بذلك، ومن عظيم ما يغفل عنه كثير من الناس في هذا الباب: القرض الحسن، وإنظار المعسر، والتخفيف عليه، والوضع عنه؛ حتى إن هذه السُّنة تكاد لا توجد في الناس بسبب الجهل بفضلها، ولأن كثيرا ممن يقترضون لا يؤدون ما عليهم، ففقد الناس الثقة فيما بينهم.

ولقد أورد القرآن الكريم في القرض ست آيات في خمس سور جميعها مدنية وهي  ( المائدة -التغابن- البقرة - المزمل – الحديد) 

قال تعالى  {وَآمَنتُم بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المائدة:12] 

قال تعالى: {إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11]

قال تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} [المزمل:20] 

قال تعالى: {إِن تُقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعِفْهُ لَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ} [التغابن:17] 

قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ}[البقرة:245]  

قال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} [الحديد: 11]

ولقد أخرج ابن ماجه في سننه قال: قال رسول الله صل الله عليه وسلم: «رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَاب: الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا، وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنَ الصَّدَقَةِ، قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ، وَالْمُسْتَقْرِضُ لَا يَسْتَقْرِضُ إِلَّا مِنْ حَاجَةٍ» وأنت حينما تقرض تحمى المحتاج و ترحم وجهه من مذلة المسألة وطلب الصدقة فحين تعطيه على سبيل القرض تخفف عنه المسألة وبعد ذلك إن قدر على الأداء فبها ونعمت وإن لم يقدر فإنك أمام أمرين: قال تعالى: {وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إلى مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:280]. وقوله: ( يقرض الله..) يدلنا على أن القرض لا يضيع لأن القرض تخرجه من مالك على أمل أن تستعيده والله يطمئنك على أنه هو الذي يقترض منك والقرض الحسن مضمون عند الله يضاعفه أضعافاً كثيرة في الدنيا مالاً وبركة وسعادة وراحة، ويضاعفه في الأخرة نعيماً ومتاعا ورضا وقربة، ومرد الأمر في الغنى والفقر إلى الله لا إلى حرص وبخل، ولا إلى بذل وإنفاق وأن الله سبحانه وتعالى سوف يرد ما اقترضه ليس في صورة ما قدمت ولكن في صورة مستثمرة أضعاف مضاعفة.

فعَن حُذَيفَةَ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-:"تَلَقَّتِ المَلائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّن كَانَ قَبلَكُم، فَقَالُوا: عَمِلتَ مِنَ الخَيرِ شَيئًا ؟! قَالَ: لا  قَالُوا: تَذَكَّرْ  قَالَ: "كُنتُ أُدَايِنُ النَّاسَ فَآمُرُ فِتيَانِي أَن يُنظِرُوا المُعسِرَ وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ المُوسِرِ  قَالَ: قَالَ اللهُ: تَجَاوَزُوا عَنهُ.".

ألا فلنتق الله ولننفق مما آتانا ونخفف العبء عن إخواننا وننظر المعسرين ونتجاوز عن المعدومين.







Share To: