إن الكثرين منا في هذا الزمان لا يدركون عاقبة إفشاء سر، والكوارث غير الطبيعية التي يمكن أن تحدث جراء هذا الفعل الشنيع، فمن كثرة القصص التي أسمعها عن إفشاء السر، أصبحت أعتبر هذا الفعل من الكبائر، خصوصا مثل إفشاء الأسرار الزوجية والذنوب التي ارتكبها المرء في لحظات ضَعفه.
 أولا سأخاطب الذي يكشف أسراره للناس، وأقول له قولة شهيرة لأحد الحكماء وهي: "سرُّك من دمك، فإذا تكلمت به فقد أرقته"، فسِرك هو جزء لا يتجزأ منك، فاحتفظ به لنفسك، وإذا ضقت درعا منه، وأردت أن تخفف عن نفسك بإفشائه أو تبحث عن حل، فلتلجأ لخالقك، فلا أحد سيسمعك أو يساعدك مثله سبحانه. وسرك هو ملكك وحدك ولا يحق لأحد غيرك معرفته حتى لو كان أقرب شخص لك. ولتعلم عزيزي أن هناك من المهنيين من يمنع عليهم منعا تاما إفشاء أسرار مهنتهم مثل: الطبيب والشرطي والطباخ، نعم الطباخ لأن وصفته الشهيرة التي لا يعرف أحد مُقوماتها هي التي تجعله ناجحا، فلتعتبر نفسك منهم عندما تحس برغبة عارمة في الكشف عن أسرار حياتك.
أما أنت أيها المفشي العزيز يجب أن تدرك أن الشخص الذي وضع سره في عُهدتك يثق فيك مثل نفسه أو أكثر، أو هو غبي أكثر من اللازم لأنه لم يكتشف حقيقتك، هو عندما وضع سره بين يديك فكأنما ائتمنك على حياته، وأنت بكل رحابة صدر أنهيت تلك الحياة، لا شك أنك أعطيته درسا مهما في الحياة، لكن الثمن غالي جدا، لن يستطيع دفعه طوال حياته. فأخبرني عن إحساسك وأنت تنظر إلى المرآة كل صباح، هل ما زلت تحترم نفسك وتحبها بعد أن كشفت سره؟
فلنأخذ مثلا قصة حياة وهي مراهقة أخبرت صديقتها المقربة وجارتهاعن تجربتها الأولى لتعاطيها للمخدرات في إحدى الحفلات، فتقوم صديقتها بإخبار أمها عن ذلك لغرض في نفسها، فتقوم أمها بِدورها بإخبار أم حياة بالسر الذي لم يكن ليعرفه أحد لولا ثقة حياة بصديقتها، فينتج عن ذلك أن حياة تُمنع من متابعة دراستها وحتى من الخروج دون رفقة، كما أنها تعرضت للضرب المبرح من طرف أخيها الأكبر، لأنها من عائلة محافظة جدا، كل هذا كان من الممكن تجنبه لو احتفظت حياة بسرها لنفسها، الآن هي تعمل كبائعة في إحدى المحلات بعد موت أبيها وزواج أخيها، أما صديقتها فهي محامية مشهورة، لكن هذه الأخيرة كيف ستترافع عن نفسها غدا في محكمة الله، وكيف ستستطيع الدفاع عن فعلتها الشنيعة، وبأي مبرر أو حجة ستسقط عنها التهمة؟
 هناك من سيقول لو أن الصديقة المقربة لم تفش السر لكانت الآن حياة تتعاطى المخدرات ومشردة، أحييك أيها المحلل الكريم على هذه الفكرة العبقرية، لكن حياة حسب معرفتي بها هي جد نادمة على فعلتها، ولم تكن أبدا تنوي إعادتها، كانت فقط لحظة طيش. 
ونمر الآن إلى قصة أكثر تشويقا وتعقيدا من سابقتها، هي قصة امرأة اعترفت لابن أختها أنها ساعدت أمه للتفريق بينه وبين زوجته باستخدام السحر، وطلبت منه السماح، لتخلق مشكلا كبيرا بين الابن وأمه وتفرق بينهما إلى الآن.
لعل مُحللنا السابق والمبدع سيقول هذه المرة أن المرأة أرادت أن تتوب إلى الله وتُحسن خاتمتها، وضميرها كان يعذبها، أحسنت حقا، أنا معجبة بتحليلك المبدع، لكن دعني أخبرك بنقطة مهمة وهي أن التوبة يجب أن تكون بينها وبين الله، ولا دخل لابن أختها بها، وأين كان ضميرها عندما كانت تسافر لأكثر من ساعتين للذهاب إلى المشعوذين وهي تمسك بيد أختها وتَجرها؟
عموما كشف سرها لم يجلب إلا القطيعة بين الابن وأمه، وبينها وبين أختها، لذلك فالأسرار من الأفضل أن تبقى مدفونة إلى أجل محدد، إلى أن يسقط مطر الآخرة، حينها يحق لها أن تنبت ليضْمَحِلَّ الستر الذي أنعمه الله علينا.  
في النهاية سأترك لكم نصيحة من ذهب وهي: سِرك هو عِرضك، فحافظ عليه بحياتك. 
دمتم سالمين وغير مُفشين لعِرضكم.






Share To: