حديث الجمعة | القدوة الحسنة 35 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف 


تابع موضوع بعض خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم 
رحمته صلى الله عليه وسلم بأهل الكتاب 
أولاً رحمته باليهود
أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن بعض ما اختص الله تعالى به عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم وماذكرته لك غيضٌ من فيض وقليل من كثير مما اختص الله به البشير النذير دون غيره من الأنبياء والمرسلين حيث حدثتك عن بعض ما اختص الله تعالى به عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم من رحمته بالكافرين ووعدتك بوصل الحديث عن رحمة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم  بأهل الكتاب
وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى لأن كلاً منهما نزل عليه كتاب من الله عزوجل عن طريق رسلهم فسيدنا موسى عليه السلام نزلت عليه التوراة لليهود وسيدنا عيسى عليه السلام نزل عليه الإنجيل للنصارى وكلاهما بشر بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم 
وهل من سبيل إلى إقناع اليهود والنصارى - في زماننا - بأن رحمة الرسول ﷺ تشملهم ليكفوا عن معاداته ومعاداة أتباعه وإتهامهم بالعنف والإرهاب
طبيعة اليهود وموقفهم من نبى الرحمة ورسالته
إن خير ما يستدل به على طبيعة اليهود ومواقفهم من الرسول ﷺ ورسالته  ـ الذي شهد الله فيه على اليهود بكفرهم بآياته، ونقضهم لعهودهم، وقتلهم لأنبيائه، وكذبهم على أوليائه، وتحريفهم الكلام عن مواضعه، وخيانتهم لأماناتهم،... مما عاقبهم عليه بالطبع على قلوبهم وجعلها قاسية كالحجارة أو أشد قسوة ولعنهم، حيث قال تعالى فيهم: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا. وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا﴾ [النساء:١٥٥ - ١٥٦]، و قال عز وجل: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾[المائدة: ١٣].
كما أخبر سبحانه بتمنيهم كفر المؤمنين وردتهم عن دين الإسلام حقدا وحسدا من عند أنفسهم، بعدما عرفوا بأن ما جاء به رسول الله ﷺ حق. ففضحهم الله بقوله: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُواْ وَاصْفَحُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ﴾[البقرة: ١٠٩]، وكانت نتيجة هذه الطبيعة الفاسدة لليهود أن صاروا أشد الناس عداوة لرسول الله ﷺ وللمؤمنين. وقد أخبر الله بذلك في كتابه العزيز وكشف ما انطوت عليه أنفسهم  الخبيثة من الحقد والحسد والبغض لرسول الله ﷺ ولمن آمن به وصدقه حيث قال:﴿لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا.....﴾ [المائدة:٨٢].
وقداتّفق جمهور العلماء على أنّ المراد بأهل الكتاب: اليهود والنّصارى، وهما الطّائفتان اللّتان أنزل عليهما الكتاب من قبلنا، لقوله تعالى: ﴿أَنْ تَقُولُوا إِنَّمَا أُنْزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَائِفَتَيْنِ مِنْ قَبْلِنَا وَإِنْ كُنَّا عَنْ دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ﴾ [الأنعام:١٥٦]، ويُعَدُّون من أهل الكتاب وإن كانوا قد وقعوا في التّحريف، ونسبة الولد إلى الله سبحانه وتعالى، وغير ذلك من كفريّاتهم؛ لأنّ النبيّ ﷺ عاصرهم واعتبرهم من أهل الكتاب.
وخلاصة القول هي أن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وأنهم ثلاثة أنواع: ذميون، ومعاهدون، ومحاربون.
ومن رحمته باليهود صلى الله عليه وسلم 
١/ دعوته لهم إلى الإسلام بالحكمة والرفق واللين، وجدالهم بالتي هي أحسن كما أمره ربه عز وجل، وإلحاحه عليهم، وأخذه بكل الأسباب المساعدة على قبولهم دعوته. ولم يَقْدُمْ على حربهم بسبب غدرهم وخيانتهم إلا بعد دعوتهم إلى الله وتذكيرهم بما يجب عليهم، ويتضح ذلك جليا في حمده لله على إسلام غلام يهودي وإنقاذه من النار، كما جاء في حديث أنس رضي الله عنه قال: «كان غلام يهودي يخدم النبي ﷺ فمرض، فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال: أطع أبا القاسم، فأسلم، فخرج النبي ﷺ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار رواه البخارى 
ومما يؤكد هذه الرغبة الناتجة عن رحمته بهم قوله ﷺ: «لو آمن بي عشرة من اليهود لآمن بي اليهود»رواه البخارى ومسلم . قال الحافظ في الفتح: «المراد عشرة مختصة وإلا فقد آمن به أكثر من عشرة... والذي يظهر أنهم الذين كانوا حينئذ رؤساء في اليهود ومن عداهم كان تبعا لهم فلم يسلم منهم إلا القليل كعبد الله بن سلام وكان من المشهورين  بالرياسة في اليهود عند قدوم النبي ﷺ». فمن رحمته ﷺحرصه ورغبته في إسلام رؤسائهم ليسلم بإسلامهم باقي يهود المدينة.فتح البارى
٢/ حرص الرسول ﷺ على إسلام اليهود بإسلام عالِمِهِم وسيِّدِهِم عبد الله بن سلام، وذلك «... لما جاء نبي الله ﷺ - إلى المدينة -جاء عبد الله بن سلام، فقال: أشهد أنك رسول الله، وأنك جئت بحق، وقد عَلِمَت يهود أني سيدهم، وابن سيدهم، وأعلمهم، وابن أعلمهم، فادعهم فاسألهم عني قبل أن يعلموا أني قد أسلمت، فإنهم إن يعلموا أني قد أسلمت، قالوا فيّ ما ليس فيّ. فأرسل لهم  النبى  ﷺ فأقبلوا، فدخلوا عليه، فقال لهم رسول الله ﷺ: يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله، فو الله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقا. وأني جئتكم بحق، فأسلموا. قالوا: ما نعلمه. قالوا للنبي ﷺ قالها ثلاث مرار. قال: فأي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟ قالوا ذاك سيدنا، وابن سيدنا، وأَعْلَمُنا وابن أَعْلَمِنا. قال: أفرأيتم إنْ أَسْلَمَ. قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم. قال أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم. قال: أفرأيتم إن أسلم؟ قالوا: حاشى لله ما كان ليسلم. قال: يا ابن سلام اخرج عليهم. فخرج، فقال: يا معشر اليهود، اتقوا الله فو الله الذي لا إله إلا هو، إنكم لتعلمون أنه رسول الله، وأنه جاء بحق فقالوا: كذبت. فأخرجهم رسول الله ﷺ» رواه البخارى 
هذا ولا يزال الحديث موصولاً عن رحمة النبى الودود بأهل الكتاب من النصارى و اليهود إن كان فى الأجل بقية وإن كانت الأخرى فالعفو عند الله مرجو ومأمول عسانى وإياكم أن نحظى بشفاعة سيدنا الرسول .








Share To: