الكاتب سمير لوبه يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "النورس الجريح" 


مَرَّ العَامُ ثَقِيلاً والأيَامُ رَتِيبَةً واللَّيَالِي بَارِدَةً ، ولَمْ تَنزَعْ عَنْ جَسَدِهَا مَلَابِسَ الحِدَادِ ، تَستَقِلُ سَيَارَتَهَا ، تَصِلُ إِلَىَ مَحَلِ المَلَابِسِ فِي الحَيِ التُّجَارِي :
- اتفَضَلِي يَا هَانِمُ إيرَادَ الأُسبُوعِ 
وفِي البَنكِ القَرِيبِ :
- إيدَاعٌ مِنْ فَضلِك 
وفِي شَقتِهَا الوَاسِعَةِ وَحدَهَا …
تَزحَفُ الدَّقَائقُ زَحفًا ، يَنتَابُهَا التَّمَرُدُ ؛ تَنسَلِخُ مِنْ سَوَادِ الحِدَادِ المُطبِقُ عَلَىَ جَسَدِهَا النَّافِرِ بِالأُنُوثَةِ الصَّارِخَةِ ، تُضَاجِعُ الصَّمتَ عَلَىَ فرَاشٍ بَارِدٍ ذَهَبَ عَنْه الدِفْءُ بِغِيَابِ الزَّوجِ بَعدَ عِشرِين عَامًا عَوَضَّهَا فِيهمْ عَنْ الحِرمَانِ مِنَ الوَلَدِ بِفَيضِ حَنَانٍ ثَمَلَت مِنْ خَمرِه وأسبَلَت جَفنَها فَغَفا ، كَانَ يَروِي ظَمأَ أرضِهَا فَتفِيضُ نَهرًا ، الآنَ  تَتَمَلمَلُ فِي سَرِيرِهَا يُخَاصِمُ أجفَانَهَا النَّومُ ، لَا تَسمَعُ سِوَىَ هَرِيرِ الرِّيَاحِ فِي فَضَاءِ شَقتِهَا القَاحِلَةِ ، تَخرُجُ للشُّرفَةِ تَرَىَ طُيُورَ النَّورَسِ تُحَلِقُ فَوقَ صَفحَةِ البَحرِ ، يَلفُتُهَا إحدَىَ النَّوَارِسِ تَقتَرِبُ مِنْ قَارِبِ الصَّيَادِ فِي رُعُونَةٍ وتَهَوُرٍ ؛ فيُصِيبُهَا ، تَقعُ عَلَىَ صَفحَةِ البَحرِ تَتَلَاعَبُ بِهَا الأموَاجُ دُونَ هَوَادَةٍ ؛ تٌغَادِرُهَا النَّوَارِسُ وتَترُكُهَا لِمَصِيرِهَا وَحِيدَةً ؛ تَتَلَقَفُهَا أيدِي الصَّيَادِ بِلَا شَفقَةٍ ، تَدخُلُ إِلَىَ شَقَتِهَا تَنظُرُ إِلَىَ المِرآةِ تَتَحسَّسُ بِرَاحَتَيهَا أنحَاءَ جَسَدِهَا  ؛  تَرتَخِي أجفَانُهَا ، تَستَحِرُ وَجنَتَاهَا ؛ يُدَاعِبُ خَيَالَهَا ذِكرَيَاتُ اللَّيَالِي الدَّافِئةِ ، تَعُودُ لِشُرفَتِهَا تَختَرِقُهَا نَظرَاتِ شَابٍ قَابِعٍ عَلَىَ الكُورنِيشِ لَا يَحِيدُ بِنَاظِرَيه عَنْهَا ، يَنتَابُهَا الارتِبَاكُ ؛ تُسرِعُ ، تَرتَمِي فِي كَهفِ سَرِيرِهَا البَارِدِ ، يَعترِيهَا الأرقُ ، يُحَلِقُ خَيَالُهَا بَعيداً ؛ يُبَللُهَا مَاءُ شَهوَتِهَا  ، تُصَارُعُ مَشَاعِرَ مُضطَرِمَةً قَدْ حُرِمَت مِنْهَا ، وبَينَمَا تَسيرُ تُشَاهِدُ الڤَاترِينَاتِ قَتلاً للمَلَلِ والدَّقَائقِ الرَّتِيبَةِ ، يَقذِفُ الشَّابُ أذُنَيهَا بِسِهَامٍ تُخَدِرُ جَسَدَهَا وتُدَغدِغُ مَشَاعِرَهَا ، فَقَدْ جَفَّت أرضُهَا وتَشَقَقَت ،  وبِمَعسُولِ اللّسَانِ فِي عُمقِهَا قَدْ أبحَرَ، وَمِنْ رَوضِهَا قَدْ قَطَفَ ، وأشبَعَ  روحَهَا  بِالحَنَانِ ؛ فَارتَمَت فِي حِجرِه  مِثل هِرَةٍ ، فالتَقَت دِفْءَ الفرَاشِ بَعدَ غِيَابٍ ، تَحُفُهَا السَّعَادَةُ ؛ فَارتَوَت … 
- أغَارُ عَلَيكِ مِنْ حَدِيثِ مَعَ الرِّجَالِ وهَذَا حَقُ كُلِ زَوجٍ
- أنَا كُلِي لَك حَبِيبِي 
- أرِيدُ مِنْكِ تَوكِيلاً عَامًا ؛ فَالغِيرَةُ تَقتُلُنِي …
وَعَلَىَ رَصِيفِ مَحَطَةِ التّرَامِ حَيثُ مَأوَاهَا ، فِي حَالٍ مُتَرَدِيةٍ قَدْ بَاتَت ، تَرَاه خَارِجًا مِنْ بَابِ العِمَارَةِ تَتَأبَطُ ذِرَاعَه فَتَاةٌ فِي نُضرَةِ الشَّبَابِ تُمَاثِلُه فِي العُمْرِ ، تَتَعَالَىَ ضَحكَاتُهمَا ، يَركَبَان السَّيَارَةَ ، أحَدُ المَّارَةِ يَضَعُ فِي كَفِهَا المُوحِلَةِ جُنَيهًا ، تَتَأمَلُه ، تُطبِقُ رَاحَتَهَا عَلَيه ، تُدِيرُ وَجهَهَا لِعَرَبَةِ الفُولِ .





Share To: