الأديب الفلسطيني فايز حميدي يكتب قصيدة تحت عنوان "سيّدةُ النَرجسِ" 


تَهويماتٌ في السَّاعةِ الهَامدةِ من الليلِ ...
 
                     -١- 
في هَدأةِ الليلِ مُدثراً بِعزلَتي 
بَاغتتني صَرخةَ القَلبِ 
وَبعثَرني الصّمتُ بعيداً 
 عَميقاً كَليلِ المَنافيَّ 
وَيصخبُ فيَّ السُؤال 
كَسوطٍ في جَبهةِ الفَجرِ 
كَطلقةٍ في رئةِ الضُحى 
عن وَطنٍ مَنذورٍ للريحِ 
وأرواحٌ مَجروحةُ النِداءِ
عن شُجيرةِ صَبَّارٍ تَجهشُ بالبُكاءِ
 
أَغفوَ قَليلاً
كَحقلٍ مَسَّهُ الجَفاف 
كَصوتٍ شَاردٍ في الطُرقاتِ 
وَفتاتُ أحلامٍ مُراوغةٍ تُسَاكِنُني
تَرتَقي سَريرَ السُّدمِ 
وَتعتَلي يَقظةَ حُلمٍ عَصيٌّ !!

يَا سيّدةَ النَرجِسِ 
أَهفو إلى صَوتُكِ وَكفيكِ النَديتينِ 
زَارعاً عُشبَ الأمانيَّ 
رَاسماً حُلمَ الفَراشاتِ 
وَنسائمُ وَرديةَ العُطرِ تَهبُّ 
والقَلبُ تَهشَّمت عَتباتهُ
ضَامئاً كأمنيةِ الفَقيرِ

مَاذا أقولُ يا سَيّدتي عن زَمنِ الرَّحيلِ ؟!
عن ضِباعٍ تَلتهمُ حتى الأَجنةَ في البُطونِ ؟!
عن أكبادٍ تَحترقُ والجَائعينَ العُراةَ ؟!
عن ذِئابِ القَتلِ والإذلالِ 
وفَحيحَ الأفاعيَّ وَالليلِ الطَويلِ ؟!
عن النَهبِ والَتشليحِ والأملِ الذَّبيحِ ؟!
عن أشْجانِ مَظلومٍ طَريد ؟!

بأي مَنطقٍ تُدمَرُ عَمائِرُنا وأيُّ شَرعٍ ؟!
مَهما تَعالت صَيحةُ الإفكِ في الزَّمنِ اللقيطِ ؟!
مَاذا أقولُ يا أمّيَ ؟!
عن سيفِ الغَيبِ وَتراتيلُ الغُربةِ وأشوَاكُها في القَلبِ !!
عن حَياةٍ كلُّ مَا فيها ضَياعٌ !!
                    -٢-
وَيطلُّ وَجهكِ القَمريُّ يَا سَيدتي 
تحتَ سَنا البَدر 
فوقَ الغَمامُ الشَّفيف :
حَمامةُ الرُّبى 
 نَشوةُ الوَجدِ 
أنشودةُ المَطرِ 
فَجراً عَنيدَ الضّياءِ 
وَيحمِلُني الشَوق إليكِ 
قُبرةٌ تَشدوَ
جَسداَ تُنهكهُ اللوعةَ 
وَيبحرُ حُلميَّ الوَليدُ في دفءِ عَينيكِ 
ليباركَ أعراسَ السَنابلَ في كَفيكِ 
وَيعانقُ فيهُما أشَواقيَّ وإيمانيَّ العَميق 

يَا سَيَّدةً تَنتمينَ إلى سَلالةِ المَاسِ 
وَنشيدَ الخُلودِ 
ألهبتِ الوقتَ بِحضوركِ
صَفاءً 
وَحلمً 
وَفجرً نَدي 
وَأحييتِ نَجوى الرُّوح في الشّعرِ 
وَهجرتِ بُستان الكلامِ 
وَأخيتِ بينَ سَعيرِ النّارِ والبَرَدِ
                   
يَا سيّدةَ النَرجسِ 
تُمشطينَ جَدائلَ العَطشِ وأسقامَ الضَّنا
وَتُحيينَ رَمادَ الأَماني 
وَسكرةَ الإحتِضارِ بِمُهجَتي
فَيُضيئُني التَفاؤلُ 

أُجدّلُ ضَفيرَتُكِ عندَ حافةِ الكَونِ
في شمالِ الشَّمال 
وَأداعبُ طفلةً مُدلَّلةً في دَاخلكِ 
تُشبهكِ 
عَسلُ الأَمانيَّ وَدفءُ الهَوى 
في قِطافِ التِّينِ والعِنبِ 

في كلِّ إصباحٍ 
أذْروا بَقايا شَذاكِ المَخبوءُ
في غَورِ الذَّاكرةِ 
فَتولدُ نَرجسةٌ من ظَمأ الحَنينِ ..

 
                  محبتي 
( القدس الموحدة عاصمة فلسطين الأبدية ) ...






Share To: