الكاتبة السورية رؤى مسعود جوني تكتب قراءة في كتاب ( فانتازيا الجائحة) للكاتب الدكتور محمد فتحي عبد العال


فانتازيا الجائحة


حين نقول جائحة في هذا الزمن يتوارد فورا فيروس الكورونا إلى خيالنا، كخيار أول في ذهن المتلقي ، بعد معاناة منه لمدة سنتين ولا تزال مستمرة.
أما لماذا فانتازيا فهذا ما يورده الكاتب في مقدمة كتابه حين يقول " (تبقى محطات استثنائية في تاريخ البشرية قد تغزل من الواقع فانتازيا  من نوع فريد،لم يكن لأحد تصور حدوثها في عالم تحكمه التكنولوجيا الرقمية والمعارف المتنوعة وهو ما حدث بالضبط مع جائحة كورونا المستجد)"
لقد مر عبر التاريخ الكثير من الأمراض والجائحات التي تركت أثرا كبيرا على المجتمعات من جميع النواحي، فسبرت أغواره الاقتصادية والاجتماعية وتركت آثارا لا تمحى، عبر عنها الفنانون والأدباء مثل لوحة فان كوخ لطبيبه ( خاشيه) الذي رحل بعد إصابته بمرض الطاعون وبيعت بمبلغ 148 مليون دولار.
لقد ظهرت طبائع الإنسانية من كافة نواحيها السلبية والايجابية، خلال فترة الجائحة، فبعد أن أنبت الحكومة الصينية، وأرادت محاكمة  الطبيب ( لي ونليانغ) بعد ان صرح عن وجود فيروس غريب خطير يهدد العالم، قامت بعد أصابته بالفيروس،  ووفاته لاحقا به بتكريمه ودفع مبلغ 850  ألف يوان كتعويض لعائلته.
في أماكن أخرى من العالم حدثت حالات سلبية، لاسيما للأطباء الذين دفعوا أثمانا كبيرة فكانوا إما ضحايا أو متأثرين جسديا ونفسيا، بالإضافة للإرهاق الشديد الذي عانوا منه، ورغم ذلك طالهم أذى نفسي من الآخرين، لعدم تقدير الجهود المبذولة حتى انه في قرية من الريف المصري، رفض الأهالي السماح لسيارة الإسعاف التي تقل جثمان طبيبة مصرية قضت بسبب الكورونا ،  بالدخول للقرية وإتمام عملية الدفن !!
طبعا من جهة أخرى كان هناك قصصا مشرفة عن التعاون، والدعم الإنساني، بين الدول والأفراد حول العالم يسرد الكاتب بعضها بين صفحات كتابه .
وبالطبع في مثل هذه الأحوال  الخطيرة، يزدهر تطبيق العقائد  والمعتقدات والطقوس حول العالم، فيقص علينا الكاتب علينا أطرفها في الكتاب، في الهند ومصر بطريقة مشوقة وثقافة رحبة، تعكس مكنونات النفس الإنسانية وتصرفها عند الخطر.
يطرح الكاتب بتسلسل مرن وشيق مواضيع ونوادر مختلفة طالت حتى الاختلاف  عند الفرنسيين حول جنس الكورونا أهي مذكر أم مؤنث ؟
ثم يعرج الكاتب لعملية البحث عن منشأ هذا الفيروس القاتل العجيب، فتتعدد الروايات ما بين الخفافيش أو حيوان المنك ....ونظريات كثيرة كشبكات الجيل الخامس من الانترنت ..حتى الوصول للصخور القادمة من الفضاء!!
ثم يسرد ردود أفعال السياسيين المتحكمين بدفة قيادة الشعوب في عدة بلدان، وجهلهم المدقع بالطب والأمور الطبية التي جعلت الفيروس يستفحل ويضرب البلدان أكثر فأكثر.
لا ينسى الكاتب المرور على تداعيات الأزمات الاقتصادية التي سببها الفيروس ، حيث تهاوت أسعار النفط ، وتهاوى معها الكثير من الشركات ورؤوس الأموال حول العالم.
إنها فانتازيا البحث عن أصل ومنشأ وسبب وحلول بعضها واقعيا وبعضها الآخر خياليا حول كل ما يتعلق بهذا الفيروس .
أما بالنسبة لسرد قصص اللقاحات  وحالات المد والجزر والمع والضد التي دارت حول العالم كله بسببه فنترك للقارئ متابعتها.
إن هذه الكتاب يصلح لأن يكون كتاب تأريخي لفترة زمنية لن تتكرر عبر العصور، يعكس النفس البشرية والتقلبات السياسية والدينية والاجتماعية والعقائدية خلال فترة زمنية قصيرة، كل ذلك بسبب فيروس صغير لا تراه العين لكنه استطاع ولا يزال حتى الآن يؤثر في حضارة بناها الإنسان عبر آلاف السنين.
إنها فانتازيا حقا، هل كان إي شخص قبل 2020 يتصور حدوث هذا السيناريو ولو في الخيال؟!!







Share To: