الكاتب الجزائري ميموني علي يكتب نصًا تحت عنوان "شجرة الزمن" 


.......................................................

غريب حقا حال الدنيا فكل ما يؤنسك بها اليوم تحاسب عليه غدا (بنون . مال. زوج. والدين. عمل. أصدقاء. دين. شخصية)
أراني اليوم بطيء الحركة أغض البصر كثيرا أستحي بمشيتي و يحمر وجهي إذا ما أنفلتت مني ريح دون قصد
كل أعضاء جسدي تؤلمني لم أعد قادرا حتى على قيادة الدراجة ، حتى أن الجميع صار ينعتني بمسميات لم تعتدها أذناي بعد ...عمي سمحلي نفوت.... الحاج إذا مقلقاتك الموسيقى نقصها...
أسأل نفسي لماذا يخفض صوت موسيقى "الطوارق" التي أنا شغوف بها إني حتى أكاد أرقص على أنغامها ولكن عندما لمحة بالصدفة شيب لحيتي ورأسي فأرغمت أن أصمت كثيرا ولست بصامت (ففمي لا يتوقف عن الحديث أبدا أبدا مهما بدوت للناس أني عجوز هادىء)
تصاغرت للحياة و أذعنت لها فهي اليوم تعاملني كما عاملتني في طفولتي تماما 
فلا شيء يفرق بين الطفل و العجوز سوى ثلاث أمور تجاعيد للجلد و حجم الجسد و روح مرهقة.
إذا جاع الطفل يبكي فيلبى طلبه 
أحيانا يكاد الجوع يحرقني لا أطيق له صبرا كما كنت في شبابي لكن ما يمنعني عن الصراخ أن أثير شفقة أحدهم فيترك همه ليهتم بي ولكي لا يساء الظن بابنيّ اللذين هاجرا ليؤمنا لي لقمة العيش .
صحيح أني أبكي كطفل في مثل هذه الحالات من شعور بالوحدة أو جوع أم وهن في سرية تامة لا تفضحها إلا دموع تنهمر من حين لآخر حينما تطغى سلطة الحزن  على القلب فلا يقوى على تحمل المزيد فيطفئ الدمع حر ما يكابد و يعاني 
أقيم في الطابق الثالث ولم أعد أطيق الخروج كثيرا رغم أن ذلك مفيد و يهدىء لكن الدرج مرهق جدا و لأنزل توجب أن يساعدني أحد فأن ساعدني هذا يعني أنه سيتأخر عن عمله فمرات بعضهم يتركني هناك و يسرع للذهاب و بعودتها من عمله بعد عدة ساعات حينها فقط أكون قد وصلت للأسفل فالنزول يأخذ مني الكثير من الوقت و حتى يتحاشاني يدعي عدم رؤيتي البعض الآخر من الجيران بالأخص "محمد" يصبر معي حتى أصل و عندما يعود يساعدني للصعود كثير الإبتسام لم يبدو يوما على ملامحه الإنزعاج مني فرحم الله من رباه
شباب هذا الزمن يحبون كثيرا مشاهدة التلفاز و تمضية الوقت على الهاتف و حتى أقراني الذين أجدهم جالسين بالخارج يفعلون نفس الأمر ولست من محبي الغوص في ما لا أعلم ومن العيب أن يضيع شبابي و شيبي على نفس الروتين 
أيا ربي لك أسلم أمري في شبابي كنت في كل يوم أقول غدا سأفعل ذا و ها أنا اليوم أستحي من نفسي ومن صحبي و معارفي و حتى من الغريب أراقب نفسي في كلامي و حركتي أحترس من قهقتي
أخبىء عورتي و حتى ما لا يراه الناس عورة يصبح كذلك بالنسبة لي في كل قول و فعل .
في وحدتي أفتح صفحات الماضي أستذكر فعالي و ذرف الدموع لا يفارقني فهو أنيس وحدتي فلمن أشكو همي غير الله من يستصيغ كلامي و يصبر بسماع أنيني  .
كبرت اليوم ذاك "علي" الذي أضحكه شبابه على كبر سن غيره فأنسبه الله لهم 
ذاك الذي أضحكه شبابه فأبكاه شيبه على ما أضحكه فسبحان الله مغير الأحوال.

الكاتب الجزائري ميموني علي يكتب نصًا تحت عنوان "شجرة الزمن"
صورة في لحظة تأمل المستقبل رفقة الشاي في واد الماء






Share To: