فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "شبهة الاكتفاء بالقرآن دون السُّنّة" 


هي بدعة منكرة وخدعة خبيثة يطلقها بعض الناس متظاهرين بحب القرآن وتقديره .

 وأذكر هنا بعض الردود الموجزة مع بعض التنبيهات وهى :

🌴الذين يَدعون إلى الاكتفاء بالقرآن وترك السُّنّة (ويُسمّون أنفسهم القرآنيين) هم في الحقيقة لا يُقدّسون القرآن ولا يريدون الاحتكام إليه ، بل يريدون أن ينقُضوا الإسلام عُروة عروة ، ويريدون هدم المصدر الثاني من مصادر الهداية والتشريع، ولهم في ذلك حُجج داحضة وحِيل خبيثة .

🌴جادلني أحدهم ذات مرة فقال : 

إن مهمة الرسول كمهمة ساعي البريد ، يوصل لنا رسائل الله ونحن نفهم ونستنبط منها مباشرة ونجتهد دون الحاجة للرسول ؛ فقلت له أولاً : 

حاشا لرسول الله ﷺ هذا التشبيه غير المؤدب .

ثم قلت له : هل تعرف معنى قول الله :

ولكن لا تُواعِدُوهنّ سِرّاً 

وماذا تستنبط من قوله تعالى :

للذين يُؤلون من نسائهم تربّصُ أربعةِ أشهر ؟

وكيف تفهم كذا ؟ 
وأين تجد حكم كذا وكذا ؟ 

فبُهتَ الذي أنكر السنة .

🌴الرسولﷺ مُبلّغ عن الله ، وشارح لكلام الله ، وشارع (أي مُشرّع) بإذن الله ، ويمكن أن نقول :

 إن الله سبحانه يشرع لنا الأحكام من خلال الوحي الأول (وهو القرآن) أو من خلال الوحي الثاني (وهو السنة النبوية ) على لسان نبيه ، والرسول ﷺ قال : 

إني أُوتيت الكتاب ومثلَه معه .

والسنة النبوية تأتي تأكيداً لما في القرآن ، أو تفصيلاً أو تخصيصاً أو توضيحاً للقرآن مثل :

 كيفية الصلاة وعدد ركعاتها ومقادير الزكاة وكيفية الحج ...إلخ 

 كما تأتي السُّنة (بوحي وإذن من الله) بأحكام مُستقلة لم تَرِد في القرآن مثل :

تحريم الجمع بين المرأة وعمّتها أو خالتها ، ويَحرُم من الرضاع ما يحرُم من النسب ، وتحريم الذهب للرجال ، وأن تقضي ( تُعيد ) المرأة الحائض الصوم ولا تقضي الصلاة ، وميراث الجدة ...الخ

🌴السنة هي المصدر الثاني للتشريع ولها حُجّيتها وللرسول ﷺ طاعة مستقلة واجبة بأمر من الله :

قال تعالى :

وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول 

فقد جعل للرسول طاعة مستقلة ، ويتضح هذا مما بعده حيث قال :

وأولي الامر منكم 

 ولم يقل : وأطيعوا أولي الأمر منكم ؛ وذلك لأن طاعة أولي الأمر مقيدة أو مشروطة بطاعة الله ورسوله ، بخلاف طاعة الرسول فهي مستقلة
ويقول تعالى :

وما آتاكم الرسولُ فخذُوه وما نهاكم عنه فانتهوا 

 وهي شاملة لكل ما يأمرنا به وينهانا عنه سواء من نفسه أو مما يُبلّغنا به عن ربه
وحذّر الله من مخالفة أمر رسوله فقال : 

فليَحذَر الذين يُخالفون عن أمرِه أن تصيبَهم فتنة أو يُصيبَهم عذاب أليم .

ويقول تعالى :

فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكّموك فيما شجر بينهم 

ويقول جل شأنه :

فإن تنازعتم في شيء فرُدّوه إلى الله والرسول 

 فما فائدة الرجوع إليه إن كان القرآن يكفي ؟

ووصف رسوله ﷺ بقوله :

النبي الأمي الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل يأمرُهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويُحلّ لهم الطيبات ويُحرّم عليهم الخبائث .

 وهو وصف تشريعي شامل
ووصفه بقوله :

يتلو عليهم آياته ويُزكّيهم ويُعلّمهم الكتابَ والحكمة

 فليست مهمته مجرد التبليغ عن الله ، بل التعليم والتفصيل والتشريع بإذن الله .
ويقول النبي ﷺ : 

مَن أطاعني فقد أطاع اللهَ ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاع أميري فقد أطاعني ، ومَن عصى أميري فقد عصاني .

رواه البخاري

ويقول الرسول ﷺ : 

كلُّ أمتي يدخلون الجنة إلا مَن أبى .

 قالوا: يا رسول الله، ومَن يأبَى؟ 

قال: مَن أطاعني دخل الجنة، ومَن عصاني فقد أبى

رواه البخاري

وقال الرسول ﷺ : 

 تركتُ فيكم شيئينِ ، لن تضلوا بعدهما كتابَ الله وسنَّتي ولن يتفرَّقا حتى يرِدَا علَيَّ الحوضَ

الحاكم وصححه الألباني 

ومن الأحاديث الصريحة في استقلال السنة بالتشريع بإذن الله : 

حديث الرجل الذي قال عن الحج :

 "أفي كلِّ عام يا رسول الله ؟ 

فقال له : لو قلتُ: نَعم، لوجَبَتْ .

 فكان دليل الوجوب مِن عدمه قول الرسول :

 " نعم".

وكذلك حديث : 

لولا أن أشقَّ على أمَّتي، لأمرتُهم بالسواك عند كل صلاة .

قال العيني : 

فيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص ؛ لكونه ترَك الأمر به لخوف المشقة ، والأمر منه أمرٌ من الله في الحقيقة ؛ لأنه لا ينطِقُ عن الهوى ".

وللإمام السيوطي كتاب كامل اسمه :

مفتاح الجنة في الاحتجاج بالسُّنة 

فيه أدلة من القرآن والسنة على وجوب الأخذ بالسنة وأنها مصدر تشريع مثل القرآن

🌴من شبهات هؤلاء وحُججهم في الاكتفاء بالقرآن :

أ- قَولُهُ تعَالَى :

مَا فَرَّطنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيء 

 فالقرآن فيه كل شيء ولا يحتاج للسُّنة ؟

والرد عليها :

 أن أكثر المفسرين على أن المقصود بالكتاب في هذه الآية هو اللوح المحفوظ وسياق الآية يشهد بذلك :

وَمَا مِن دَاۤبَّةࣲ فِی ٱلۡأَرضِ وَلَا طَائرࣲ یَطِیرُ بِجَناحَیهِ إِلَّاۤ أُمَمٌ أَمثَالُكُم مَّا فَرَّطنَا فِی ٱلۡكِتَـٰبِ مِن شَیءࣲ

[الأنعام ٣٨]

ومَن فهم منها أن المقصود بالكتاب هو القرآن فقد قال : 

إن المعنى أنه أتى بالعموميات والكُليات التي فيها الهداية ، لكنه بشهادة الواقع لم يتعرّض لكل التفاصيل طبعاً .

قال القرطبي :

قَوْلُهُ تَعَالَى:

 ﴿مَا فَرَّطنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيءٍ﴾

 أَي : فِي اللَّوْحِ الْمَحفُوظِ فَإِنَّهُ أَثبَتَ فِيهِ مَا يَقَعُ مِنَ الْحَوَادِثِ .

وَقِيلَ : 

أَي : فِي الْقُرآنِ أَيْ مَا تَرَكنَا شَيئًا مِن أَمْرِ الدِّينِ إِلَّا وَقَد دَلَّلْنَا عَلَيهِ فِي الْقُرآنِ ، إِمَّا دَلَالَةً مُبَيَّنَةً مَشْرُوحَةً ، وَإِمَّا مُجمَلَةً يُتَلَقَّى بَيَانُهَا مِنَ الرَّسُولِ عَلَيهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، أَو مِنَ الْإِجْمَاعِ، أَوْ مِنَ الْقِيَاسِ الَّذِي ثَبَتَ بِنَصِ الْكِتَابِ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : 

"وَأَنْزَلْنا إِلَيكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيهِمْ".

النحل: ٤٤

 وَقَالَ :

 "وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنهُ فَانْتَهُوا .

 الحشر: ٧

فَأَجمَلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَآيَةِ النَّحلِ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيهِ مِمَّا لَمْ يَذكُرْهُ فَصَدَقَ خَبَرُ اللَّهِ بِأَنَّهُ مَا فَرَّطَ فِي الْكِتَابِ من شي إِلَّا ذَكَرَهُ ، إِمَّا تَفْصِيلًا وَإِمَّا تَأْصِيلًا " .

ب- ومن شبهاتهم وحُججهم ما نُسب للرسول ﷺ من قوله :

 إني لا أحرّم إلا ما حرّم الله .

وهو حديث منقطع لا يُحتَج به كما قال الشافعي وغيره ، بل يردّه الحديث الصحيح :

وإن ما حرّم رسولُ الله مثلُ حرّم الله .

 وعلى افتراض صحة الأول فهو كما قال علماء يعني أنه ﷺ لا يُحرم إلا بوحي من الله .

وقال البيهقي :

 الوحي نوعان : 

أحدهما وحيٌ يُتلَى (وهو القرآن ) 

والآخر وحي لا يتلى (وهو السنة )

ج- ومن شبهاتهم وحججهم :

 ادّعاء أن (القرآن هو النص الوحيد الذي تم تدوينه وحفظه بخلاف السنة التي لم تُدوَّن في عهد الرسول واختلط فيها الصحيح بغيره) .

والحقيقة أن القرآن نفسه كان الأصل في حفظه ونقله هو (التواتر اللفظي والحفظ القلبي ) ولم يكن كثير من الصحابة يقرأ أو يكتب (مع وجود الألواح المكتوبة طبعاً ) وبنفس الحفظ والتواتر اللفظي تم نقل السنة .

كما ثبت التدوين عن بعض للصحابة خلف النبي وثبت عن عليّ وعبد الله بن عمرو وغيرهما . 

ثم شاع التدوين بعد ذلك ، مع الحرص على الضبط والتمحيص والتمييز بين الصحيح وغيره .

 وهي جهود و(ضمانات ) لا يعرفها إلا من قرأ في كتب السنة ومصطلح الحديث ..

🌴من معجزات النبي ﷺ أنه أخبر بأشياء قبل حدوثها ومن ذلك : 

ظهور سفهاء يُشككون في السنة أو يدعون للاكتفاء بالقرآن حيث قال :

يوشِك الرجل متكئًا على أريكته يُحدَّث بحديثٍ من حديثي فيقول :

 بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل ، ما وجَدْنا فيه من حلالٍ استحللناه ، وما وجدنا فيه من حرامٍ حرَّمناه ، ألا وإن ما حرَّم رسولُ الله ﷺ مثلُ ما حرَّم الله" .

صحيح رواه ابن ماجه عن المقدامِ بن معد يكرب .

وفي رواية :

ألا إني أُوتيت الكتابَ ومثلَه معه، ألا يوشك رجلٌ شبعانُ على أريكته يقول : عليكم بهذا القُرْآن، فما وجدتم فيه من حلالٍ فأحِلُّوه، وما وجدتم فيه من حرامٍ فحرِّموه .

بل ورد من نصوص السنة ما يُفهم منه أن كلمة الكتاب يُراد بها القرآن والسنة معاً كقوله في حديث الأجير الذي زنى بامرأة من استأجره 

والذي نفسي بيده لأقضينّ بينكما بكتاب الله .

 أي بحكم الله ووحيه ، ثم ذكر الجلد والرجم ، ومعروف أن الرجم لم يُذكر في القرآن .





Share To: