فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "رحلة الإسراء والمعراج" الجزء1 و 2
يقول الله سبحانه :
{ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ }
سورة الإسراء 1
حدث الإسراء والمعراج من الأحداث العظيمة التي خلد القرآن ذكرها بين آياته وسطرتها كتب السنن وحفظتها فيما حوت من أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام .
وقعت الإسراء والمعراج قبل الهجرة وبعد وفاة خديجة رضي الله عنها وبعد وفاة أبي طالب .
وكأنها في ذلك الوقت آخر برهان وآخر إثبات علي صدق النبي محمد صلي الله عليه وسلم معجزة جرت علي يديه تشهد بصدقه وهو بين المكذبين لدعوته لعلهم يهتدون لعلهم يعقلون !
لكنهم لم يهتدوا ولم يعقلوا :
{وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ } .
رحلة الإسراء من المسجد الحرام في مكة شرفها الله والمسجد الأقصي في بقعة من بقاع الشام .
بين المسجد الحرام وبين المسجد الأقصي مسافة طويلة يضرب الناس بينهما مسافات طويلة ؛ موضع بعيد وزمان طويل وجهد جهيد قطعه رسول الله في جزء من الليل ليلة الإسراء والمعراج :
{سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ}
صحبت قدرة الله رسول الله في تلك الليلة وبه سرت من المسجد الحرام إلي المسجد الأقصي في بيان واضح العنوان إلي أن تعالي علي ما يشاء قادر .
معجزة الإسراء والمعراج اشتملت على السرعة الخارقة والقدرة المذهلة التي انتقل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الشق الأول من المعجزة وهو الرحلة الأرضية من المسجد الحرام بمكة إلى المسجد الأقصى بالقدس في فلسطين ثم السرعة والقدرة اللتان لا يستطيع الإنسان مهما أوتى من علوم وتكنولوجيا أن يحددهما وذلك في الشق الثاني من المعجزة وهو الرحلة العلوية أي : الصعود من حيث انتهت الرحلة الأرضية إلى الأعلى في رحلة سماوية اخترق الرسول بها طبقات الجو كلها وعبر أرجاء الكون إلى سماء لن يستطيع الإنسان أن يصل إلى تحديد أي شىء فيها ولن يعرف عنها أي شيء سوى ما أخبره به القرآن الكريم .
🌲ولما كان الإسراء وكذلك المعراج خرقًا لأمور طبيعيَّة ألفها الناس ، فقد كانوا يذهبون من مكة إلى الشام في شهر ويعودون في شهر لكن رسول الله صلى الله عليه و سلم ذهب وعاد وعرج به إلى السماوات العلا وكل هذا وذاك في جزء من الليل .
فكان هذا شيئًا مذهلاً وامتحانًا واختبارًا للناس جميعًا وخاصة الذين آمنوا بالرسالة الجديدة . فصدَّق أقوياء الإيمان وكذَّب ضعاف الإيمان .
وهكذا تكون صفوف المسلمين نظيفة ويكون المسلمون الذين يُعِدُّهم الله للهجرة أشخاصًا أتقياء أقوياء، لهم عزائم متينة وإرادة صلبة ؛ لأن الهجرة تحتاج لأناس تتوافر لديهم هذه الصفات .
لقد كان الصعود من بيت المقدس ولم يكن من مكة، ذا دلالات كبيرة إحداها الأمر بنشر الإسلام وتوسعة إطاره وذلك لأنه الدين الخاتم الشامل الجامع الذي ارتضاه الله للناس كافة على اختلاف أجناسهم وألوانهم وشعوبهم ولغاتهم .
كما أن فرض الصلاة بهيئتها المعروفة وعددها وأوقاتها اليوميَّة المعروفة على المسلمين في رحلة المعراج دليلاً على أن الصلاة صلة بين العبد وربه ، وهي معراجه الذي يعرج عليه إلى الله بروحه وأنها الوقت الذي يناجي العبد فيه ربه ويبث إليه ما يرنو إليه فالصلاة إذن عماد الدين من تركها وأهملها فكأنه هدم دينه وأضاعه .
🌲 إن حدوث الإسراء والمعراج كان قبل الهجرة إلى المدينة بسنة واحدة أي بعد مرور اثني عشر عامًا من البَعثة وهي سنوات ذاق خلالها النبي وصحبه الكرام ألوانًا وأصنافًا من الاضطهاد والعذاب .
حيث تم تفعيل سياسة الحصار الاقتصادي لبني عبد مناف والتجويع الجماعي لهم واتفقوا على ألاَّ يُنَاكحوهم ولا يُزَوِّجوهم ولا يتزوَّجوا منهم ولا يُبايعوهم ولا يجالسوهم ولا يَدخلوا بيوتهم ولا يكلِّموهم وأن لا يَقْبَلوا من بني هاشم وبني المطَّلب صلحًا أبدًا ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يُسْلِموا رسول الله لهم للقتل .
حُوصِر المسلمون والمشركون من بني عبد مناف ومعهم أبو طالب في شِعْبِ أبي طالب وقد بلغ الجهد بهم أنهم كانوا يصرخون من شدَّة الألم والجوع وحتى اضطرُّوا إلى أكل أوراق الشجر .
وقد ظلَّت تلك المأساة طيلة ثلاثة أعوام كاملة وشاء الله أن يُفَكَّ الحصار عن بني هاشم وبني عبد المطَّلب .
وما إن انتهت هذه السنون العجاف حتى تلاها عام الحزن الذي مات فيه أبي طالب عمِّ رسول الله والسند الاجتماعي له وأمَّا الثانية فهي وفاة خديجة رضي الله عنها زوج رسول الله والسند العاطفي والقلبي له .
وقعت هاتان الحادثتان المؤلمتان خلال أيَّام معدودة فازدادت مشاعر الحزن والألم في قلب رسول الله ، وزاد عليه ما كان مِن تجرُّؤ المشركين عليه حيث كاشفوه بالنكال والأذى بعد موت عمِّه أبي طالب .
وفي هذه الظروف العصيبة والمحن المتلاحقة في الطائف وفيما سبقها من وثيقة المقاطعة والحصار ووفاة سَنَدَي الرسول الكريم العاطفي والاجتماعي ، زوجه السيدة خديجة رضي الله عنها وعمه أبي طالب ؛ في هذه الظروف وبعد أن ضاقت به الأرض من المشركين اتَّسعت له أفق السماء وجاءت معجزة الإسراء والمعراج تثبيتًا له ومواساة وتكريمًا ولتكون بذلك منحة ربانيَّة تمسح الأحزان ومتاعب الماضي ، وتنقله إلى عالم أرحب وأُفق أقدس وأطهر إلى حيث سِدْرَة المنتهى والقُرْب من عرش الرحمن .
يتبع .....
▪️رحلة الإسراء والمعراج 2
تعد معجزة الإسراء والمعراج آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى ، ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، أكرم الله بها نبيَّه محمد صلى الله عليه وسلم .
إنها رحلة الإسراء والمعراج التي أرى اللهُ فيها النبيَّ عجائب آياته الكبرى ومنحه فيها عطاءً رُوحيًّا عظيمًا وذلك تثبيتًا لفؤاده ليتمكَّن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور ولتكون تمحيصًا من الله للمؤمنين ، وتمييزًا للصادقين منهم ، فيكونوا خَلِيقين بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة وجديرين بما يحتمله من أعباء وتكاليف .
المعراج هى الرحلة السماويَّة والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء ، حيث سدرة المنتهى ، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام يقول تعالى :
{وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى}
[النجم:13-18].
وقد حدثت هاتان الرحلتان في ليلة واحدة وكان زمنها قبل الهجرة بسَنَةٍ .
وهذه المعجزة كما هو معروف هي أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدِّي ، سالم عن المعارضة يَظْهَر على يد مدعي النبوَّة موافقًا لدعواه .
وكانت تُطلَب من الرسول برهانًا ودليلاً على صدقه باعتبار أن الشواهد المادِّيَّة والمعنويَّة الخارقة للمعتاد المألوف في قوانين الكون وأنظمته تضع الباحث عن الحقِّ أمام البرهان الواضح الدالِّ على صدق الرسول في دعواه الرسالة ؛ ذلك لأن الذين يتحدَّاهم الرسول بالمعجزة لا يستطيعون الإتيان بمثلها منفردين أو مجتمعين ، في حدود قدراتهم الممنوحة لهم بحسب مستواهم .
ومعنى ذلك أنَّ المعجزة يُجْرِيها الله على يد الرسول تأييدًا له ، وأنَّ الرسول يتحدَّى قومه بهذه المعجزة ؛ ليتأكَّدوا أنها من قِبَلِ الله ومن ثَمَّ يتأكَّدون من صدقه ، وأنه مؤيَّد من السماء وذلك بعد أنْ يَظْهَرَ لهم عجزهم عن الإتيان بمثلها كما هو الحال مع معجزة القرآن الكريم .
إن حادث الإسراء والمعراج كان تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم واختبارًا للمسلمين المقبلين على مراحل أخرى من الجهاد يَعْلَمُها الله كالهجرة وما بعدها من بناء دولة الإسلام الثابت الدعائم القويِّ الأركان .
يقول الله تعالى :
﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾.
وقال تعالى ﴿ وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
[النجم: 1 - 18].
وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ :
" أُتِيتُ بِالْبُرَاقِ وَهُوَ دَابَّةٌ أَبْيَضُ طَوِيلٌ فَوْقَ الْحِمَارِ وَدُونَ الْبَغْلِ يَضَعُ حَافِرَهُ عِنْدَ مُنْتَهَى طَرْفِهِ قَالَ فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ .
قَالَ : فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِى يَرْبِطُ بِهِ الأَنْبِيَاءُ .
قَالَ : ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجْتُ فَجَاءَنِى جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ وَإِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ فَقَالَ جِبْرِيلُ صلى الله عليه وسلم اخْتَرْتَ الْفِطْرَةَ ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ .
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ .
قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ .
قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ .
فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِآدَمَ فَرَحَّبَ بِى وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ . ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ .
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ .
قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ .
فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِابْنَىِ الْخَالَةِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَيَحْيَى بْنِ زَكَرِيَّاءَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمَا فَرَحَّبَا وَدَعَوَا لِى بِخَيْرٍ .
ثُمَّ عَرَجَ بِى إِلَى السَّمَاءِ الثَّالِثَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ .
فَقِيلَ مَنْ أَنْتَ قَالَ جِبْرِيلُ .
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ .
فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِيُوسُفَ صلى الله عليه وسلم إِذَا هُوَ قَدْ أُعْطِىَ شَطْرَ الْحُسْنِ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ .
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ .
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ .
قَالَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ .
فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِدْرِيسَ فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ .
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ الْخَامِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ .
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ .
قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ .
فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِهَارُونَ صلى الله عليه وسلم فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ .
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ .
قِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ .
قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ .
فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى صلى الله عليه وسلم فَرَحَّبَ وَدَعَا لِى بِخَيْرٍ .
ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ فَاسْتَفْتَحَ جِبْرِيلُ فَقِيلَ مَنْ هَذَا قَالَ جِبْرِيلُ .
قِيلَ وَمَنْ مَعَكَ قَالَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم .
قِيلَ وَقَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ قَالَ قَدْ بُعِثَ إِلَيْهِ.
فَفُتِحَ لَنَا فَإِذَا أَنَا بِإِبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ وَإِذَا هُوَ يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ ثُمَّ ذَهَبَ بِى إِلَى السِّدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَإِذَا وَرَقُهَا كَآذَانِ الْفِيَلَةِ وَإِذَا ثَمَرُهَا كَالْقِلاَلِ .
قَالَ فَلَمَّا غَشِيَهَا مِنْ أَمْرِ اللَّهِ مَا غَشِىَ تَغَيَّرَتْ فَمَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْعَتَهَا مِنْ حُسْنِهَا.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَىَّ مَا أَوْحَى فَفَرَضَ عَلَىَّ خَمْسِينَ صَلاَةً فِى كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ فَنَزَلْتُ إِلَى مُوسَى
صلى الله عليه وسلم .
فَقَالَ مَا فَرَضَ رَبُّكَ عَلَى أُمَّتِكَ قُلْتُ خَمْسِينَ صَلاَةً .
قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ فَإِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَإِنِّى قَدْ بَلَوْتُ بَنِى إِسْرَائِيلَ وَخَبَرْتُهُمْ .
قَالَ فَرَجَعْتُ إِلَى رَبِّى فَقُلْتُ يَا رَبِّ خَفِّفْ عَلَى أُمَّتِى .
فَحَطَّ عَنِّى خَمْسًا فَرَجَعْتُ إِلَى مُوسَى فَقُلْتُ حَطَّ عَنِّى خَمْسًا .
قَالَ إِنَّ أُمَّتَكَ لاَ يُطِيقُونَ ذَلِكَ فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ .
قَالَ فَلَمْ أَزَلْ أَرْجِعُ بَيْنَ رَبِّى تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَبَيْنَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَمُ حَتَّى قَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُنَّ خَمْسُ صَلَوَاتٍ كُلَّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ صَلاَةٍ عَشْرٌ فَذَلِكَ خَمْسُونَ صَلاَةً .
وَمَنْ هَمَّ بِحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا كُتِبَتْ لَهُ حَسَنَةً فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ لَهُ عَشْرًا وَمَنْ هَمَّ بِسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْهَا لَمْ تُكْتَبْ شَيْئًا فَإِنْ عَمِلَهَا كُتِبَتْ سَيِّئَةً وَاحِدَةً . قَالَ فَنَزَلْتُ حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى مُوسَى صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ التَّخْفِيفَ .
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقُلْتُ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى رَبِّى حَتَّى اسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ " .
صحيح مسلم .
🌲قال السيوطي :
"الحكمة في كون آدم في الأُولى أنه أوَّل الأنبياء وأوَّل الآباء وهو أصلٌ فكان أوَّلاً في الآباء ولأجل تأنيس النبوَّة بالأُبُوَّة .
وعيسى في الثانية لأنه أقرب الأنبياء عهدًا من محمد ويليه يوسف لأنَّ أُمَّة محمد يدخلون الجنَّة على صورته .
وإدريس قيل : لأنه أوَّل مَنْ قاتل للدِّينِ فلعلَّ المناسبة فيها الإذن للنبي بالمقاتلة ورفعه بالمعراج لقوله تعالى :
﴿ وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا ﴾
[مريم: 57]
والرابعة من السبع وَسَط معتدل ، وهارون لقربه من أخيه موسى ، وموسى أرفع منه لفضل كلام الله ، وإبراهيم لأنه الأب الأخير فناسب أن يتجدَّد للنبي بلُقْيَاه أُنْس لتوجُّهه بعده إلى عالم آخر .
وأيضًا فمنزلة الخليل تقتضي أن تكون أرفع المنازل ومنزلة الحبيب أرفع ؛ فلذلك ارتفع عنه إلى قاب قوسين أو أدنى" .
🌲وقد ذكر القرطبي كذلك أن الحكمة في تخصيص موسى بمراجعة النبي في أمر الصلاة قيل :
لأنه أوَّل من تلقَّاه عند الهبوط ولأنَّ أُمَّته أكثر من أُمَّةِ غيره ولأنَّ كِتَابَه أكبر الكتب المنزَّلة قبل القرآن تشريفًا وأحكامًا .
أو لكون أُمَّة موسى قد كُلِّفت من الصلوات بما لم تُكَلَّف به غيرُها من الأمم فثقلت عليهم فأشفق موسى على أُمَّة محمد .
ويُؤَيِّد ذلك ما ذُكِر في الرواية السابقة بقوله :
"أنا أعلم بالناس منك" .
🌵ولعلَّ الحكمة في تخصيص فرض الصلاة بليلة الإسراء والمعراج :
أنه لمَّا عُرج به في تلك الليلة تعبَّد الملائكة ، وأن منهم القائم فلا يقعد ، والراكع فلا يسجد والساجد فلا يقعد ؛ فجمع الله له ولأُمَّته تلك العبادات كلها يصليها العبد في ركعة واحدة بشرائطها من الطمأنينة والإخلاص .
🌵وفي اختصاص فرضيتها بليلة الإسراء إلى عظيم بيانها ولذلك اختصَّ فرضها بكونه بغير واسطة بل بمراجعات تعدَّدت .
🌵ونضيف إلى ذلك أن الله تعالى أراد أن يُعِدَّ رسوله لمرحلة جديدة من مراحل الدعوة الإسلاميَّة .
هذه المرحلة تُشبه المرحلة التي رأى فيها موسى آيات الله تعالى وهي مرحلة مجابهة فرعون فقد قال الله تعالى عن موسى :
﴿ لِنُرِيَكَ مِنْ آَيَاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى ﴾
[طه: 22-23]
فموسى الذي سيقابل فرعون الطاغية قد هُيِّئَ بهذه الرؤية لاحتقار كلِّ القوى الأرضيَّة ما دامت معه قوَّة الله تعالى .
والرسول كان مأمورًا بالصبر طيلة الفترة المكية ، ثم إنه بعد الهجرة أمر بالمجابهة ، وكان الإسراء والمعراج قبل الهجرة بعام واحد على أصحِّ الأقوال فكانت رؤية آيات الله الكبرى تمهيدًا لهذه المرحلة التي سيقف فيها رسول الله بالقلة من أصحابه في وجه الدنيا كلها .
فقال تعالى في أوائل سورة النجم عن المعراج:
﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾
[النجم: 18]
يتبع ......
فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "رحلة الإسراء والمعراج" الجزء1 و 2
Post A Comment: