حديث الجمعة القدوة الحسنة 38 | بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف




 

تابع موضوع بعض خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم:-

 (رحمته صلى الله عليه وسلم بأهل الكتاب النصارى) 

أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن بعض ما اختص الله تعالى به عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وماذكرته لك غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما اختص الله به البشير النذير دون غيره من الأنبياء والمرسلين حيث تحدثنا عن رحمته صلى الله عليه وسلم بالنصارى ووعدتك بوصل الحديث عن رحمة النبى الشريف فأقول وبالله التوفيق ومنه العون وتحقيق المأمول راجياً منه العفو والعافية والقبول لى ولكل قارئ ومحب لسيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم وتنشرح صدورهم إليه، فيهتدون وينقذون من النار.

المطلب الثاني: مقصد بناء مجتمع حضاري إنسانى نموذجى تحكمه قيم الشريعة الإسلامية السمحة وتجلياته:

لقد تبين من خلال النصوص الواردة في الموضوع وغيرها مما لم يتسع له المقام أن من مقاصد رحمة الرسول ﷺ باليهود والنصارى وبغيرهم من المخالفين بناء مجتمع متحضر إنسانى وفق أحكام الشريعة الإسلامية، يكون نموذجا للناس أجمعين ليبنوا مجتمعاتهم على منواله، يكون مستوعبا لكل مكوناته - المسلمين واليهود والنصارى -، تسوده الحكمة والرحمة والعدل، ويعيش الناس فيه مكرمين وأحرارا، وآمنين فيه على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، رغم اختلاف أديانهم وأجناسهم وألوانهم ولغاتهم، ويتعاونون فيه على المتفق عليه من المصالح لجلبها ومن المفاسد لدرئها، ويعذر بعضهم بعضا فيما اختلفوا فيه. مع مراعاة كل أنواع الأخوة الدينية والإنسانية  والوطنية واللغوية، والحرص على تكاملها وتجنب تعارضها وإن حصل روعيت الأولية في الترجيح بينها وفق قوانين ومواثيق وعهود متفق عليها

فمن التجليات والمظاهر التي يتجلى فيها مقصد رحمة الرسول ﷺ بالنصارى لبناء ذلكم المجتمع سالف الذكر ما تتفق مع سابقتها، ومنها ما تختلف عنها نظرا لخصوصية النصارى واختلافهم عن اليهود، ومنها ما يلي:

1 - تأمينهم على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم، وتمكينهم من حق اختيار الدين وعدم إكراههم على الإسلام، واحترام علمائهم وأماكن عبادتهم، وهى نفس الحقوق التي أعطيت لليهود، وخصهما معا بما لم يخص به العرب ـ أهله وعشيرته ـ، حين قبل منهم البقاء على دينهم، ولم يقبل هذا من العرب، حين خيرهم بين الإسلام أو القتال. في حين خير اليهود والنصارى بين الإسلام، أو الجزية، وهي مبلغ يدفعونه، مقابل حماية المسلمين لهم، وأقام العدل بينهم وحرم ظلمهم. وقد نصت على هذا نصوص القرآن والسنةـ وقد بينت ذلك ـ ووثائق المعاهدات كما في قوله ﷺ: «ولنجران وحاشيتها ذمة الله وذمة رسوله على دمائهم وأموالهم وملتِهِم وبِيعهم ورهبانهم وأساقفتهم وشاهدهم وغائبهم، وكل ما تحت أيديهم من قليل أو كثير»مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى .

وهذه من معالم المجتمعات المتحضرة الراقية وقيّمه التي ينشدها كل عاقل. وتتضمن الإحسان إليهم ونفعهم ودفع الضرر عنهم، وتحبيب الدين إليهم، وترغيبهم في الهداية، وهذه عين الرحمة المقصودة وآثارها، وهي من ثمارها كما جاء في تعريفها. وما بقي من تجليات رحمته ﷺ بالنصارى يقال فيه مثل ما قيل في رحمته باليهود وزيادةً نظرا لاختلاف الحال، لأن النصارى أصحاب أخلاق وشرف وأقرب مودة للمؤمنين، ولأنها جميعا من آثار رحمته ﷺ بالنصارى المستمدة من رحمة الله تعالى

٢ - عدم مطالبتهم بدم جاهلية ولا يفرض عليهم ربًا، ولا قتال مع المقاتلين، ولا يأخذ منهم عشر أموالهـــم ـ حتى لا يجمع عليهم الجزية والزكاة ـ، ولا ينتهك جيش حرمة أرضهم. كما نصت على ذلك الوثيقة. وهذا يدخل فيما يسمى اليوم بحقوق الأقليات أو الجاليات.

هذا ولا يزال الحديث موصولا مع بعض من رحمته صلى الله عليه وسلم بإخوانه النصارى لنطمئن الحيارى برحمته صلى الله عليه وسلم إن كان فى الأجل بقية وإن كانت الأخرى فالأمل فى الله معقود أن يحسن لنا الخاتمة ويحقق المرجو والمطلوب بجاه الحبيب المحبوب اللهم صل وسلم عليه صلاة بها نعود إليك ونتوب .


...

حديث الجمعة القدوة الحسنة 38 | بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف 



Share To: