حديث الجمعة القدوة الحسنة 39 | بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف
تابع موضوع بعض خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم
رحمته صلى الله عليه وسلم بالنصارى أيها القارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن بعض ما اختص الله تعالى به عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وماذكرته لك غيضٌ من فيض وقليل من كثير مما اختص الله به البشير النذير دون غيره من الأنبياء والمرسلين حيث حدثتك عن رحمته بالنصارى ووعدتك باستكمال الحديث عن رحمة الهاشمى الشريف ووصلاً بما سبق أقول وعلى الله القبول
نماذج مشرفة من رحمة الحبيب بالنصارى ١/عقد الصلح مع أسقف نجران لما جادلوا الرسول ﷺ في عيسى عليه السلام، وأثاروا الشبهات، وتمسكوا بدينهم، ورفضوا الدخول في الإسلام، - كما جاء في بعض الروايات - ومما ورد فيما أثبته منها: «... لا يُغَيَّرُ أُسقفٌ مِنْ أسقفَتِهِ، وَلا رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ، وَلا كَاهِنٌ مِنْ كَهَانَتِهِ، وَلا يُغَيَّرُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِهِمْ، وَلا سُلْطَانهُمْ، وَلا مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ، جِوَارُ اللهِ وَرَسُولِهِ أَبَدًا مَا أَصْلَحُوا وَنَصَحُوا عَلَيْهِمْ غَيْر مُبْتَلَيْنَ بِظُلْمٍ وَلا ظَالِمِينَ»السيرة النبوية لابن كثير . وهذا مما يسهم تحقيق أمن المجتمعات وسلامها ودرء كل أسباب الفتنة والقتال.
٢/ استجابة الرسول ﷺ لوفد نجران لما طلبوا منه أن يبعث معهم رجلاً أمينًا ليأخذ منهم الجزية. فقال رسول الله ﷺ: «لأبْعَثَن معكم رجلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ»، فاستشرف لهذه المكانة أصحاب الرسول ﷺ، فقال رسول الله ﷺ: «قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ». فلما قام، قال رسول الله ﷺ: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ»البخارى . وهذا من حقوق الرعية على الراعي، بأن يولي على جمع ما عليهم من المال أمينا غير خائن.
٣/ حسن استقبال الرسول ﷺ ليُحَنَّة بن رؤبة ملك أَيْلة - قرية أم الرشراش المصرية على ساحل البحر الأحمر، والتي يحتلها اليهود، وسمَّوها: إيلات - وحفظ كرامته، ومصالحتهم على تأمينه لسفن أهل أيلة وسيارتهم في البر والبحر، وتأمين ما يريدون من الماء والطرق في البر والبحر، رغم جدالهم ورفضهم للإسلام، وكونهم هم الذين دعوا للصلح، وذلك لأن احترام كبراء القوم ورؤساءهم مطلوب في كل المجتمعات المتحضرة، لأن إهانته إهانة لشعبه وقومه، و كما تدين تدان، واحترم تُحترم.
وهذا نصُّ الصلح: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذِهِ أَمَنَةٌ مِنَ اللهِ، ومُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللهِ لِيُحَنَّةَ بْنِ رُؤْبَةَ وَأَهْلِ أَيْلَةَ، سُفُنُهُمْ وَسَيَّارَتُهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ لَهُمْ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَمَنْ كَانَ مَعَهُمْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلِ الْيَمَنِ، وَأَهْلِ الْبَحْرِ، فَمَنْ أَحْدَثَ مِنْهُمْ حَدَثًا فَإِنَّهُ لاَ يَحُولُ مَالُهُ دُونَ نَفْسِهِ.. وَإِنَّهُ طَيِّبٌ لِمَنْ أَخَذَهُ مِنَ النَّاسِ.. وَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ يُمْنَعُوا مَاءً يَرِدُونَهُ، وَلاَ طَرِيقًا يُرِيدُونَهُ مِنْ بَرٍّ أَوْ بَحْر»السيرة النبوية لابن هشام وزاد المعاد لابن القيم
٤/ فك أسيرهم وإكرامه وتأمينه: أورد ابن هشام في سيرته خبر قدوم عديٍّ، وأَسْرِ أُخْته سَفَّانة، فيذكر عن عدي قوله: «وتخالفني خَيْلٌ لرسول الله «فتصيبُ ابنةَ حاتم فيمن أصابت فَقُدِمَ بها على رسول الله في سبايا من طيء، وقد بلغ رسول الله هربى إلى الشام.
قال: فَجُعِلَتْ بنت حاتم في حظيرة بباب المسجد كانت السبايا يحبسن فيها، فمر بها رسول الله ﷺ فقامت إليه، وكانت امرأةً جَزْلَةً، فقالت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد؛ فامنن عليَّ منّ الله عليك.
قال: «ومن وافدك؟» قالت: عدي بن حاتم، قال: «الفارُّ من الله ورسوله؟». قالت: ثم مضى رسول الله وتركنى حتى إذا كان من الغد مر بي، فقلت له مثل ذلك، وقال لي مثل ما قال بالأمس. قالت: حتى إذا كان بعد الغد مرَّ بي وقد يئست منه، فأشار إليَّ رجل من خلفه أَنْ قُومِي؛ فكلميه قالت: فقمت إليه، فقلت: يا رسول الله هلك الوالد، وغاب الوافد؛ فامنن عليَّ منّ الله عليك، فقال: «قد فعلت فلا تعجلي بخروج حتى تجدى من قومك مَنْ يكون لك ثقة؛ حتى يبلغك إلى بلادك، ثم آذنيني... قالت: فجئت رسول الله ﷺ فقلت: يا رسول الله ! قد قدم رهط من قومي، لي فيهم ثقة وبلاغ. قالت: فكسانى رسول الله ﷺ وحَمَلَنى، وأعطانى نفقةً، فخرجت معهم حتى قدمت الشام»(السيرة النبوية لابن هشام
إنه لدرس بليغ في الرحمة والكرم والتسامح والمروءة، يقدمه هذا القائد العظيم صاحب الخلق العظيم، حين تستعطفه ابنة حاتم الطائي الأسيرة ليمن عليها، فرق قلبه لحالها فاستجاب لطلبها، ولم يأذن لها بالخروج حتى وجدت من قومها ثقة أمينا يبلغها إلى بلادها، حماية لها وصونا لعرضها وحفظا لمالها، ثم أكرمها فكساها وحملها وأعطاها نفقة.
فليتعلم القادة في العالم اليوم من قصة رسول الله ﷺ مع الأسيرة سفانة بنت حاتم الطائى كيف يتعاملون مع الأسرى-وخاصة إن كن إناثا-، فيحترمونهن ويكرمونهن، ولا يهينونهن ولا يجوعونهن،، ويعطونهن ولا يحرمونهن، ويرحمونهن ولا يعذبونهن، ويؤمنونهن ولا يخيفونهن، ويحفظون أعراضهن ولا ينتهكونها، ويكسونهن ولا يُعرِّينهن، وإذا استعطفوهن منوا عليهن، وإذا أطلقوا سراحهن حملوهن وزودوهن بما يبلغهن إلى بلدانهن ومأمنهن.
فهل من جهة في زماننا - غربية كانت أو شرقية - تفعل مثل هذا أو قريبا منه بأسراها أو سجنائها؟ ألَا فليستفد دعاة حقوق الإنسان وحقوق المرأة الدروس والعبر من أخلاق رسول الله ﷺ عامة ومن رحمته خاصة
فبنى بهذا ذلكم المجتمع السعيد الآمن المطمئن القائم على العدل والرحمة والحكمة ورعاية المصالح ودرء المفاسد...
وهذا قليل من كثير من رحمة البشير النذير ليتعلم من أراد أن يتحدث فى الدين أن المنهج القويم يؤخذ بعد كتاب الله تعالى من سنن الأنبياء والمرسلين
ولا يؤخذ من أصحاب الفهم العقيم أمثال المتنطعين الذين همهم ملأُ جيوبهم وإرضاء شياطينهم
جعلنى الله وإياكم من المتبعين وجنبنى وإياكم شرار خلقه من مردة الإنس والشياطين وإن كان في الأجل بقية فالحديث موصول مع بعض خصوصيات سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم.
حديث الجمعة القدوة الحسنة 39 | بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف
Post A Comment: