فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب : تابع "رحلة الإسراء والمعراج" 




🌲أهداف الإسراء والمعراج :


الإسراء والمعراج ذروة التكريم للنبي صلى الله عليه وسلم بعد موجة البلاء التى تعرض لها النبي صلى الله عليه وسلم وليعلم كل مسلم أن لهذه المعجزة أهدافاً منها :


🌵إتاحة الفرصة للنبى صلى الله عليه وسلم ليطلع على مظاهر قدرة الله عز وجل وليتأمل آثار رحمات الله سبحانه ليمتلئ قلبه ثقة فيه واستناداً إليه .


🌵توطئة لرحلة الهجرة ولأعظم مواجهة في التاريخ بين الإسلام والكفر والضلال .


🌵معاينة الغيب الذى يبلغة للناس وهذه التي طلبها ابراهيم عندما قال :


﴿ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى ﴾


[البقرة: 260]


لكنها كانت دعوة للنبي من ربه لمعاينة ذلك الغيب كرؤية الجنة والنار وما فيهما من نماذج للنعيم والعذاب .


🌵الحكمة من الإسراء :


﴿ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ﴾


 [الإسراء: 1]


والحكمة من المعراج :


﴿ لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى ﴾


 [النجم: 18]


 وفي الإسراء والمعراج علوم وأسرار ودروس وعبر .


🌵الامتحان والتمحيص لضعاف الايمان والتثبيت للمؤمنين :


كانت امتحانا واختبارا لذوي الإيمان هل يصدقون ؟ أم يتلكؤون ويترددون ؟ 


قال تعالى : 


﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ 


[العنكبوت: 2، 3]


 فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدماً على مرحلة جديدة وهى الهجرة ويريد أن يبنى فيها دولة بناءً قوياً متماسكاً برجال أقوياء في إيمانهم أشداء في صبرهم .

فجعل الله رحلة الإسراء اختباراً وتمحيصاً ليخلص الصف من الضعاف المترددين الذين في قلوبهم مرض ويثبت المؤمنون الأقوياء الخلص الذين لمسوا ايماناً صدق نبيهم بعد أن لمسوه تصديقاً .


🌵إظهار شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم العالية وذلك في مواجهته للمشركين بأن ينكرونه بعقولهم ولا تدركه تصوراتهم ، فكان ذلك الجهر بالحق أروع مَثَلٍ أمام أهل الباطل .


🌵التأكيد لرسول الله أن الله ناصره وأن شأنه سيعلو ، وأن شريعته ستمتد حتى تصل لبيت المقدس ، وأن الله سيسخر له من جند السماء بعد أن امتنع عليه جند الأرض .


🌵تفريج الكرب وإعلام الله نبيه والمؤمنين أن بعد كل محنة منحة وفي كل بلية تكريم ، وقد ينصر المرء من عين ما يكره ، فبعدما سدت قريش كل أبواب الدعوة أمام النبي صلى الله عليه وسلم فرج الله له كل همه ونفس كربه ودعاه إلى قربه سبحانه .


🌵وكان أمر الله قدراً مقدوراً فكل ما يحدث للإنسان مسطور عند ربى ، ومكتوب في عَالَمِ الغيب فمن آمن ورضى فله الحسنى من الله ومن سخط وغضب فلا يلوم إلا نفسه .


🌵ضرورة الإسراء والمعراج :


نعم ، كانت ضرورة ملحة خاصة قبل الهجرة بسنة حيث أحدثت في مكة هزة عنيفة ونشاطاً غير عادى ، فالنقاش فيها يدور بين كافة الفئات ، ولا حديث لهم إلا عن الدين الجديد ، ويستتبع هذا نقاشا حول مبادئ الاسلام نفسه فيدخل أناس الاسلام ويخرج قلة آخرون فكشف الله لنبيه عن مكنونات الصدور وأتاح له سبر غور الناس جميعاً حتى بان الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم وحدد من يمكن الاعتماد عليه في بناء هذه الدولة ، ومن يجب استبعاده وكان من الميسور على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك وضع الرجل المناسب في مكانه اللائق به .


🌵أهمية المسجد في الإسلام :


حيث بدأت الرحلة من المسجد الحرام وانتهت بالمسجد الأقصى ، وهذا دليل على المكانة السامية التي يتبوؤها المسجد في الإسلام .


🌵الشدائد تبين معادن الرجال :


من السهل أن يجد الإنسان أصدقاء كثيرين عند الرخاء ، لكن عندما تشتد الأزمة وتضيق حلقاتها لا يبقى إلا المخلص الصدوق .

فكان أبوبكر رضي الله عنه ؛ وصدق الصحابي الكريم علي بن طالب رضي الله عنه .


يتبع ...



🌲فوائد من الإسراء والمعراج :


🌵تولد المنح من رحم المحن ، وبعد العسر يأتي اليسر وبعد التعب يأتي الفوز وحصاد الخير .


🌵لما علم كفار قريش بخبر الإسراء و المعراج كانوا بين مصفّق و بين واضع يده على رأسه مستعجبا ومندهشا لكذب الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم كما يزعمون .


🌵يؤخذ أيضا من خطاب موسى عليه الصلاة والسلام مع رسول الله :


فضل التجربة وأنها قد تفوق المعرفة الكثيرة فموسى قد جرب بنى اسرائيل وعالجهم كما قال فنصح النبي صلى الله عليه وسلم بما خبر الناس به .


🌵بذل لنصيحة لمن يحتاج إليها ولو لم يستشر الناصح ، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يستشر موسى لكن موسى رأى ذلك واجبا عليه ، يبدى النصيحة قيل أن يسألها فأشار على النبيصلى الله عليه وسلم بما رآه خيراً .


🌵الدين الإسلامي ليس بالعقل وإنما بالوحي والنص :


فالعقول لا تستقل بإدراك مصالحها دون الوحي ، فمن استعمل عقله في خبر الإسراء والمعراج وتجاهل النص أضله عقله ، ومن سلَّم للنص واستسلم له ، وفِّق وهُدِي .


🌵شق صدره صلى الله عليه وسلم في ليلة الإسراء .


يقول ابن حجر :


بل ثلاث مرات ولكل حكمة :


فالأول :


كان في زمن الطفولة لينشأ على أكمل الأحوال من الحفظ من الشيطان ، ثم كان عند البعث زيادة في إكرامه ، ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي ، في أكمل الأحوال من التطهير ، ثم عند الإسراء ليتأهب للمناجاة .


وقال أيضاً كلاماً رائعاً : 


" ويحتمل أن تكون الحكمة في هذا الغسل ، لتقع المبالغة في الإسباغ لحصول المرة الثالثة ، كما هي شرعته صلى الله عليه وسلم في الطهارة .


🌵لماذا كان الإسراء ليلاً ؟


قال ابن المنير :


 إنما كان الإسراء ليلاً : لأنه وقت الخلوة والاختصاص عرفا ولأنه وقت الصلاة التي كانت مفروضة عليه في الليل ، وليكون أبلغ للمؤمن في الإيمان بالغيب وفتنة للكافر .


 بالإضافة إلى أن الله تعالى أكرم أقواماً في الليل بأنواع الكرامات كقوله في قصة ابراهيم : 


﴿ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ﴾


 [الأنعام: 76]


وفي لوط :


 ﴿ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ ﴾


[هود: 81]


وفي موسى :


 ﴿ وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً ﴾ 


[الأعراف: 142]


وناجاه ليلاً وأخَّر إخراج قومه ليلا في قوله ﴿ فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا ﴾


 [الدخان: 23]


واستجابة دعاء يعقوب فيه وهو المراد في قوله : 


﴿ قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي ﴾


 [يوسف: 98]


قال المفسرون : 


" أخَّره إلى وقت السحر من ليلة الجمعة " .


🌵السر في ربط البراق في الحلقة التي يربط بها الأنبياء :


الأخذ بالأسباب فالأخذ بالأسباب غير قادح في التوكل والاعتماد على الله ، لأن التوكل الصحيح إنما يكون بعد بذل السبب .


🌵السر في استفتاح جبريل أبواب السماء :


يقول السيوطى :


لأن الأبواب كانت مغلقة ، وإنما لم تهيأ له بالفتح قبل مجيئه لأنه لو رآها مفتحة لظن أنها لا تزال كذلك ففعل ذلك ليعلم أن ذلك لأجله تشريفاً .


ولأن الله أراد أن يطلعه على كونه معروفاً عند أهل السماوات أيضا ، لأنه قيل لجبريل لما قال محمد : أبعث إليه ؟ 

ولم يقل : ومن محمد؟ مثلاً .


🌵حكمة لقاء النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء في السماوات من الأولى وحتى السابعة :


قيل :


الحكمة في الاقتصار على المذكورين ؟


 إشارة إلى ما سيقع له صلى الله عليه وسلم مع قومه من نظير ما وقع لكل منهم ، فأما آدم فوقع التنبيه بما وقع له من الخروج من الجنة إلى الأرض بما سيقع من الهجرة إلى المدينة .


والجامع بينهما ما حصل لكل منهما من المشقة وكراهة فراق ما ألفه من الوطن، ثم كان عاقبة كل منهما أن رجع إلى موطنه الذى أخرج منه .


وبعيسى ويحيى على ما وقع له أو الهجرة من عداوة اليهود وتمالؤهم على البغى عليه .


وبيوسف على ما وقع له مع أخواته من قريش من نصبهم الحرب له وإرادتهم هلاكه ، وكانت العاقبة له وقد أشار إلى ذلك بقوله لقريش يوم الفتح .

أقول كما قال أخى يوسف :


 ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ ﴾


 [يوسف: 92]


وبإدريس على رفع منزلته عند الله ، وبهارون على أن قومه رجعوا إلى محبته بعد أن آذوه .


وبموسى على ما وقع له من معالجة قومه ، وقد أشار إلى ذلك بقوله :


 " لقد أوذى موسى بأكثر من هذا فصبر" .


وبإبراهيم في استناده إلى البيت المعمور بما ختم له صلى الله عليه وسلم في آخر عمره من إقامة منسك الحج وتعظيم البيت .


🌵وصف الأنبياء للنبي بالصالح فقط :


لأن الصلاح صفة تشتمل خلال الخير ولذا كررها كل منهم عند كل صفة .


🌵تخصيص موسى بمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم في أمر الصلوات :


لكون أمه موسى كلفت من الصلوات بما لم يكلف به غيرها من الأمم فتقلت عليهم فأشفق موسى على أمه محمد صلى الله عليه وسلم من مثل ذلك .


🌵من عطايا الله لنبيه في ليلة الإسراء والمعراج :


روى مسلم بسنده المتصل إلى عبد الله بن مسعود رضى الله عنه قال :


 " لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم انْتُهِيَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ، وَهِيَ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ ، إِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُعْرَجُ بِهِ مِنَ الْأَرْضِ فَيُقْبَضُ مِنْهَا وَإِلَيْهَا يَنْتَهِي مَا يُهْبَطُ بِهِ مِنْ فَوْقِهَا فَيُقْبَضُ مِنْهَا قَالَ :


 ﴿ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾


 [النجم: 16]


قَالَ : فَرَاشٌ مِنْ ذَهَبٍ .

قَالَ : فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثًا : أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا الْمُقْحِمَاتُ .


والْمُقْحِمَاتُ : الذنوب العظام الكبائر ، التي تهلك أصحابها وتوردهم النار وتقحمهم إياها .

 والتقحم : الوقوع في المهالك .


 فالله ما أعظم هذه المنح وما أكرم هذه العطايا، حقا كانت رحله الحفاوة والتكريم .


اللهم كما احتفيت بنبيك في الدنيا والآخرة واغفر لأمته وارفع عنها الغلا والوبا والربا واجمع كلمتهم ووحد صفوفهم ، واحفظ ولاة أمور المسلمين على طاعتك



🌲وجوب الإيمان بوقوع الإسراء والمعراج إذ منكرِهما منكرٌ لمعجزة ثابتة بالكتاب والسنة :


الإيمان بالإسراء والمعراج جزء من الإيمان بالله تعالى ؛ إذ إن الله تعالى قد أخبرنا بقصة الإسراء والمعراج في القرآن الكريم ، وعلى لسان نبيه الأمين ؛ فلا ينكر الإسراء والمعراج إلا جاحد لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .


إن من أنكر الإسراء والمعراج فإنه ينكر شيئًا ثابتًا في القرآن وهناك قاعدة معروفة صحيحة يجب أن نعرفها جميعًا :

وهي أن من أنكر شيئًا ثبت في القُرْآن ، فإنه كافر وكذلك في السنة .


وأما دلالات الآيات التي في القُرْآن فقد تختلف ، وأعظم دليل عَلَى الاختلاف اختلاف أصحاب النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في القُرْآن ، وهم أفضل النَّاس عقلًا وفهمًا فقوله سبحانه : 


﴿ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾


 [آل عمران: 7]


هذه آية واضحة وجلية لا نقاش فيها ولا خلاف


﴿ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ﴾


 [آل عمران: 7]


فمذهب أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ما عليه السلف : 


هو الإيمان والتصديق بالمحكم والإيمان بالمتشابه وردُّه إِلَى المحكم ، ما الذي ذكره الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى في القُرْآن صريحًا ؟ 


وما الذي ذكره ضمنًا ؟


 فالإسراء ذُكِرَ صريحًا :


 ﴿ سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ ﴾ 


الإسراء 1


إذًا لو أن أحدًا أنكر الإسراء فإنه يكفر لأنه بمجرد أن يقرأ الآية أو يسمعها يفهم دلالتها فيكون منكر الإسراء كافرًا .


وإنما حصل الخلاف والإشكال فيمن ينكر المعراج ؛ لأن الدلالة ليست جلية ، وهذا يستلزم منا أن نجلِّيَها وأن نوضحها من خلال سورة النجم .

فمنها نستطيع أن نبين هذه الحقيقة ، فتصبح أيضًا يدل عليها القُرْآن دلالة لا شك فيها ولا شبهة فقوله سبحانه :


 ﴿ وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى ﴾


 [النجم: 13]


 أين رآه ؟ 


﴿ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾


 [النجم: 14 - 17].


فجملة ﴿ مَا زَاغَ الْبَصرُ ﴾ 


تبين أن العروج ليست بمجرد الروح كما يقولون ، بل هي حقيقة واضحة ببصره صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى تلك الآية الكبرى التي أراه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى في ذلك الموضع .


فنستطيع أن نجلي دلالة القُرْآن فتكون دلالته صريحة ثُمَّ نؤيد ذلك بالأحاديث الكثيرة المتواترة التي تُثبِتُ الإسراء والمعراج فنقول : إن من أنكر المعراج فهو أيضًا كافر بعد بيان الحجة عليه .


وأجمعوا على الإيمان بالإسراء والمعراج وأنه حق وصدق والحق عند أهل السنة أنه كان بروحه وجسده ، وأنه كان يقظة لا منامًا ، وأنه كان مرة واحدة .


والمعراج حقٌّ وقد أُسري بالنبي صلى الله عليه وسلم وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ، ثم إلى حيث شاء الله من العلا ، وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى :


﴿ مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى ﴾


 [النجم: 11]


فحديث الإسراء والمعراج ثابت بالكتاب والسنة 

كما قال تعالى :


 ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾


[الإسراء: 1]


وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه أسري بروحه وبدنه يقظة لا مناما وقد ظهرت دلائل ذلك وعلامات صدقه مما لا يدع مجالا للشك .


ولذلك أجمع المسلمون على الإيمان به وتصديق ما ورد فيه وأعرض عنه الزنادقة والملحدون وأنكره كفار قريش مكابرة وعنادا .


قال الله تعالى :


 ﴿يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ﴾


[الصف: 8]


فمن أنكر الإسراء والمعراج فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وكذبه فيما جاء به ؛ لأنه يستلزم من ذلك إنكار الآيات الواردة في إثباته وتكذيبها كقوله تعالى :


 ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ﴾


[الإسراء: 1]


وقوله سبحانه : 


﴿وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى﴾


[النجم: 13-15]


فإذا كان من أنكر آية أو كلمة أو حرفا من كتاب الله يكفر بالله ، فإن منكر قصة الإسراء والمعراج كافر من باب أولى ، ولأن إنكار الإسراء والمعراج يستلزم منه أيضا إنكار وجوب الصلوات الخمس وعدم الإيمان بها ، وذلك كفر مخرج من الملة لأن الصلاة فرضت على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أمته عندما أسري به وعرج به جبريل فوق السماء السابعة بما لا يعلمه إلا الله عز وجل فرضت على أمة محمد من لدن رب العالمين من غير واسطة .


كما جاء في قصة الإسراء والمعراج وتواترت بها الأحاديث الصحيحة. 


فمن أنكر ذلك فلا شك في كفره كفرا يخرج من الملة والعياذ بالله .


 قال الله تعالى :


 ﴿أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ﴾[البقرة: 85] 


والله أعلم .


يتبع ...



▪️حكم من أنكر معلوماً من الدين بالضرورة


قال الإمام الشافعي رحمه الله :


مَنْ ذَكَرَ كتابَ الله ، أو محمداً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو دِينَ الله بما لا ينبغي ؛ فقد نقض عهده ، وأُحِلَّ دمُه ، وبرئت منه ذمَّةُ الله عزَّ وجلَّ وذمَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .


مختصر اختلاف العلماء للجصَّاص 3/505


🌵قال ابن فرحون المالكي :


ومَنْ استخفَّ بالقرآن أو بشيء منه أو جَحَده ، أو حرفاً منه أو كذَّب بشيء منه ، أو أثبت ما نفاه ، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ، أو شكَّ في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع أهل العلم .


تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام 2/214 


🌵قال الإمام ابن حزم الظاهري :


" صَحَّ بِالنَّصِّ أَن كل من اسْتَهْزَأَ بِاللَّه تَعَالَى ، أَو بِملك من الْمَلَائِكَة ، أَو بِنَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ، أَو بِآيَة من الْقُرْآن ، أَو بفريضة من فَرَائض الدّين بعد بُلُوغ الْحجَّة إِلَيْهِ ، فَهُوَ كَافِر " .


الفصل في الملل والأهواء والنحل3/142 


🌵قال أبو حامد الغزالي :


" وَمَعْنَى السُّخْرِيَةِ : الِاسْتِهَانَةُ ، وَالتَّحْقِيرُ ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِضِ ، عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُحَاكَاةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ ".


إحياء علوم الدين3/131



سمعنا منذ أيام من أنكر رحلة الإسراء والمعراج ويسمى نفسه مفكرا ولكنه في حقيقته متنكباً متنكراً لأمر الدين ، ينكر حقائقه ويجحد ثوابته ، وقد تقرأ لمن يزعم أنه عقلاني ولكنه أهوائيٌّ يتبع أهواءه فيرفض المحجّة البيضاء باسم العقل ويطعن بفرائض الله باسم التفكير الحر .


بدايةً ننقل أقوال العلماء فيمن أنكر معلوما ً من الدين بالضرورة .


قال الإمام الشافعي فى مختصر اختلاف العلماء للجصَّاص :


مَنْ ذَكَرَ كتابَ الله ، أو محمداً رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أو دِينَ الله بما لا ينبغي ؛ فقد نقض عهده ، وأُحِلَّ دمُه ، وبرئت منه ذمَّةُ الله عزَّ وجلَّ وذمَّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم .


قال ابن فرحون المالكي فى تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام :


ومَنْ استخفَّ بالقرآن أو بشيء منه أو جَحَده ، أو حرفاً منه أو كذَّب بشيء منه ، أو أثبت ما نفاه ، أو نفى ما أثبته على علم منه بذلك ، أو شكَّ في شيء من ذلك فهو كافر بإجماع أهل العلم .


قال الإمام ابن حزم الظاهري فى الفصل في الملل والأهواء والنحل :


صَحَّ بِالنَّصِّ أَن كل من اسْتَهْزَأَ بِاللَّه تَعَالَى ، أَو بِملك من الْمَلَائِكَة ، أَو بِنَبِي من الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام ، أَو بِآيَة من الْقُرْآن ، أَو بفريضة من فَرَائض الدّين بعد بُلُوغ الْحجَّة إِلَيْهِ فَهُوَ كَافِر  .


قال أبو حامد الغزالي فى إحياء علوم الدين :


" وَمَعْنَى السُّخْرِيَةِ : الِاسْتِهَانَةُ ، وَالتَّحْقِيرُ ، وَالتَّنْبِيهُ عَلَى الْعُيُوبِ وَالنَّقَائِضِ ، عَلَى وَجْهٍ يُضْحَكُ مِنْهُ ، وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِالْمُحَاكَاةِ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ ، وَقَدْ يَكُونُ بِالْإِشَارَةِ وَالْإِيمَاءِ ".


نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية الثابتة ، قد جاءتنا بأمور من الدين تحدثت عنها وبينتها وشرعتها وأخبرت بها ونقلت أحكامها في عديد من النصوص والمواضع ؛ حتى أصبح أمرها معلوما من الدين بالضرورة، وموقعها في الشرع مشهورا شهرة الشمس في الكون وأطبق العلماء على القول بها وتقريرها وتأكيدها دونما نزاع بينهم ولا اختلاف وهو ما بات يعرف في شريعتنا وعند علماء الأمة بالمعلوم من الدين بالضرورة.

والمعلوم من الدين بالضرورة ما كان ظاهراً متواتراً من أحكام الدين معلوماً عند الخاص والعام مما أجمع عليه العلماء إجماعاً قطعياً مثل وجوب كالصلاة والزكاة وتحريم المحرمات الظاهرة المتواترة مثل الربا والخمر وغيرهما .


 ومع ذلك نجد من ينكر هذا المعلوم من الدين بالضرورة بسبب جهله أو لأسباب خاصة به  لحقيقة المعلوم من الدين بالضرورة .


والمنكر للمعلوم من الدين بالضرورة هو الذي يجحد ولا يقرّ ولا يعترف ولا يقبل بأمور الدين الظاهرة المتواترة المعلومةً عند عامة المسلمين مما أجمع عليه العلماء إجماعاً قطعياً مثل وجوب الصلاة وحرمة الربا.


ومن هنا كان هذا الإنكار للمعلوم من الدين بالضرورة خروجا من الملة قولا واحدا عند جميع علماء المسلمين ، فهل يعقل أن نقبل من مسلم إنكاره للصلوات الخمس وإنكاره للحج في سبيل الله وقوله بأنه ليس من شرائع الإسلام ؟


يقول النووي : "من جحد مجمعاً عليه فيه نص، وهو من أمور الإسلام الظاهرة التي يشترك في معرفتها الخواص والعوام كالصلاة، أو الزكاة، أو الحج، أو تحريم الخمر أو الزنا ونحو ذلك فهو كافر" .

ذاك الحكم فيمن أنكر معلوما من الدين بالضرورة ، أما ما كان فيه الخلاف بين العلماء أو إجماعه غير ظاهر وليس في المتواتر ؛ فلا يكفر صاحبه .


وإنكار المعلوم من الدين له صور وأمثلة عدة نذكر منها مثلاً الإسراء والمعراج وقد وردت سورتان سميت أحدهما بسورة الإسراء وتؤكد حقيقة الإسراء وسورة أخرى تؤكد حقيقة المعراج وسميت بسورة النجم .


إن علماء الأمة لما بينوا حكم هذا المنكر للمعلوم من الدين بالضرورة هم بذلك يحفظون هذا الدين من أولئك المتزندقة الذين يرومون الفساد والإفساد في مجتمعاتنا المسلمة .


على أن علماءنا قد أصدروا حكمهم هذا في حق من يعلم أمر هذا الدين ولا يجهله ومن يعيش بين المسلمين وقد عرف أمور الدين العامة الظاهرة . 


فهذا الحكم ليس بحق الجاهل لأمور الدين أو الذي قد دخل الإسلام من عهد قريب ولا يعرف حقائقه كلها بعد.


إن الذي ينكر معلوما من الدين بالضرورة في ميزان الشرع هو فاسق ؛ لأنه خرج عن طاعة الله الواجبة عليه من التصديق بأمر الوحي وعدم إنكار  وهو كاذب لأنه كذّب بآيات الله وهو ظالم لأنه تعدى على أحكام الله الظاهرة القطعية .


 قال الله تعالى : 


بلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ


[العنكبوت:49].


وقال تعالى : 


مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ


[الزمر:32]


إن إنكار المعلوم من الدين بالضرورة هو هدم لحقائق هذا الإسلام العظيم ، هو محاولات بائسة من أولئك الحاقدين والمتكبرين للتشكيك بأمر هذا الدين وزعزعة قناعات المسلمين بثوابته وخاصة العوام منهم .


ولنا أن نسأل هؤلاء الذين ينكرون حقائق أساسية من الدين ، ما الذي تريدونه لتصدقوا بأمور الدين الظاهرة ؟


ألا تكفي عشرات الأدلة الشرعية الثابتة ، ألا يكفي أقوال جموع العلماء من الأئمة العدول الثقات في تقرير حقائق هذا الدين .

 أي طريق تبغونها ؟

 ألا يكفيكم ما كفى الصحابة والتابعين والعلماء عبر التاريخ الطويل للأمة.


إن إنكار المعلوم من الدين بالضرورة هو من المجادلة بالباطل، هو من الطعن بصفات الله وعدله وحكمته ، هو من التكبر على الوحي وعلى مقام النبوة والعلم والعلماء .


وأي حقيقة تبقى إذا أنكرنا حقائق الوحي القطعية وجحدنا بثوابته ؟ 


أين الإذعان لله تعالى حينما ننكر فرائض الدين الكبرى؟


 أين التسليم لرسول الله صلى الله عليه وسلم حينما نرد ما جاءنا به من أحكام الحرام القطعية ؟

أين التعظيم لشعائر الله حينما نستخف بها فنجحدها بعقولنا وألسنتنا وقلوبنا ؟

فإياك تسمع لمن يسمِّي نفسه مفكرا ولكنه في حقيقته متنكباً متنكراً لأمر الدين، ينكر حقائقه ويجحد ثوابته، وقد تقرأ لمن يزعم أنه عقلاني ولكنه أهوائيٌّ يتبع أهواءه فيرفض المحجّة البيضاء باسم العقل ويطعن بفرائض الله باسم التفكير الحر .










Share To: