الكاتب المغربي / محمد حمادة يكتب مقالًا تحت عنوان "وجهة نظر عمياء"
لقد ارتكب أفلاطون خطأ جسيما عندما أخرج الشعراء من مدينته الفاضلة، وغلب حكمة العقل على حكمة القلب، ومع غياب حكمة القلب أصبحت المدينة الفاضلة تفكر أكثر مما تحس، ومنطقية أكثرها منها شعورية، حيث لا مجال للخيال، فإغلاق باب الشعر هو إغلاق للنصف الاوعي في المجتمع، لقد كان أفلاطون يعلم بتأثير الشعر وقوته على الناس، لأن الشعر بالنسبة له محاكاة، وهي بذلك لا تشوه عالم المثل بل تقدم حقيقة جمالية تنسف حقيقة عالم المثل، لقد كان هدفه جعل الناس يفكرون أكثر مما يحسون، إن الشاعر له شيطانه، ولعل هذا الشيطان يسرب له حقيقة عالم المثل ويمده بالإلهام الشعري، وبالتالي فالشاعر يستطيع أن ينفذ إلى عالم المثل عن طريق الشعور والإحساس محاولا خلق محاكاة شبه واقعية لكنها خيالية، أي أنه يطل على عالم المثل بواسطة التلاعب باللغة . إن الشعراء هم أكثر من يعرف الحقيقة التي كان يحاول أفلاطون أن يخيفها، لأنهم أقدر على المحاكاة بشكل يشبه الواقع، لذلك أعلن الحرب عليهم، وأيد طروحات الفلاسفة، ليس لأن الشعراء لا ينتجون حقيقة وإنما لأن الشعراء يعيدون بناء الحقيقة في الاشعور بواسطة الرمز والخيال، والصورة الشعرية. وهي إشارة إلى أن أفلاطون لا يؤمن بالاختلاف الذي تدعو إلى فلسفته، ويقبل اختلاف العقل وليس اختلاف القلب. لقد سقط في الفخ الذي كان يظن نفسه أنه في مآى عنه، لكنه كان ذكيا جدا، لأنه سعى إلى حصر الحقيقة في يد الفلاسفة العقلانين؛ بمعنى أنه جعل الحقيقة في يد السلطة، والشعر كان ينافس السلطة على الحقيقة، لذك كان من الازم عليه أن يبتر الشعر عن بكرة أبيه، ويترك الشعراء الذين ينظمون الشعر وفق توجهاته الفلسفية والمذهبية وهنا مكمن الخطورة؛ لكنه كان يعلم أن الشعراء يمتكلون حقيقة القلب؛ وبالتالي فسلطة القلب أقوى من سلطة العقل، إن الشعراء أخطر من الفلاسفة، لذلك فلا أحد كان يتجرأ عليهم لأن سلاحهم الكلمة. والكلمة أخطر من السيف. لذلك فأفلاطون كان يخشى من الخطاب الشعري لأنه قادر على إنتاج سلطة وقيم وأفكار توازي الأفكار الفلسفية بل وتسائل الفلسفة نفسها عن بعض القوانين. لهذا عمد إلى طرد الشعراء، ليس خوفا من القيم والأخلاق من الفساد وإنما خوفا من سقوط الفلسفة في ازدواجية الخطاب، وصعوبة الفصل بين العقل والقلب، لهذا انتصر للفلسفة وترك الشعر.....
الكاتب المغربي / محمد حمادة يكتب مقالًا تحت عنوان "وجهة نظر عمياء"
Post A Comment: