فضيلة الشيخ أحمد علي تركي مدرس القرآن الكريم بالأزهر الشريف يكتب "أدب الحوار مع العلماء وكيفية الاختلاف في الرأي " 


بدايةً يقول الحق فى كتابه الكريم

{ قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } المجادلة 

ويراد بالحوار والجدال هو مناقشة بين شخصين وتصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الرأى  الفاسد .
والغاية من  الحوار هو تعاون بين شخصين على معرفة الحقيقة والتَّوصُّل إليها ليكشف كل طرف ما خفي على صاحبه منها والسير بطرق الاستدلال الصحيح للوصول إلى الحق .

هذه هي الغاية الأصلية من الحوار .

والخلاف بين الناس واقع فى مختلف الأزمان 
ولهذا  نبَّه عليه القرآن الكريم في قوله تعالى : 

{ وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ } سورة الروم

و قوله سبحانه : { وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } سورة هود

ولهذا قد يكون الاختلاف في الأديان والأخلاق والأفعال والآية تشير إلى أنه لو شاء الله جعل الناس على دين واحد بمقتضى الغريزة والفطرة الإنسانية لا رأي لهم فيه ولا اختيار .

ولكنّ الله خلقهم بمقتضى حكمته عاملين بالاختيار ليس مجبورين ولا مضطرين . وجعلهم متفاوتين في الاستعداد وكسب العلم واختلاف الاختيار { وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ } .

وعلى الرغم وجود هذا التَّبايُن بين الناس في عقولهم ومُدركاتهم وقابليتهم للاختلاف إلا أن الله دلهم على الطريق المستقيم فهى مَهْديَّةٌ إليه ؛ بل إنّ في فطرتها ما يهديها ، وتأمَّل ذلك في قوله تعالى :

 { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ }  سورة الروم 

وحديث الرسول ﷺ : 

ما من مولود إلا يُولدُ على الفِطْرة فأبواه يُهوّدانه ويُنَصِّرانه ويُمجِّسانه كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تُحِسّون فيها من جَدْعاء حتى أنتم تجدعونها .

إن بِدْءَ الحديث والحوار بمواطن الاتفاق طريق إلى كسب الثقة ويكون الحوار هادفاً ويفتح الافاق للقبول والإقبال .

وايصا ينعكس لو بدأ بنقاط الخلاف والنزاع ، وهذا يجعل الحوار ضيقاً وأمده قصيراً ، ومن ثم يقود إلى تغير القلوب وتشويش الخواطر ، ويحمل كل طرف على التحفُّز في الرد على صاحبه مُتتبِّعاً لثغراته وزَلاته .

والاصل فى الحوار سلوك الطرق العلمية والتزامها ومن هذه الطرق :

تقديم الأدلة المُثبِتة والمرجِّحة وصحة تقديم النقل في الأمور المنقولة .
وفي هذا يقول سبحانه : 
{ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }  .

 { قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي } 

أيضاً سلامة كلامِ المناظر ودليله من التناقض

ومن أمثلة ذلك ما ذكره بعض أهل التفسير من نعت كفار قريش لآيات محمد صلى الله عليه وسلم بأنها سحر مستمر كما في قوله تعالى : { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ } (القمر:2) .
وهو تناقض فالسحر لا يكون مستمراً ، والمستمر لا يكون سحراً .

أيضاً ألا يكون الدليل هو عين الدعوى ؛ وعند بعض المُحاورين من البراعة في تزويق الألفاظ وزخرفتها ما يوهم بأنه يُورد دليلاً وهذا تحايل في أصول لإطالة النقاش من غير فائدة .

أيضاً الاتفاق على منطلقات ثابتة وقضايا مُسَلَّمة 
وبالوقوف عند الثوابت والمُسَلَّمات .

ففي الإسلام الإيمان بربوبية الله ونبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، والقرآن الكريم كلام الله وحرمة الربا ، والخمر ، والزنا وغيرها كل هذه قضايا مقطوع بها لدى المسلمين ، وإثباتها شرعاً أمر مفروغ منه ولا يمكن لمسلم أن يقف على مائدة حوار مع شيوعي أو ملحد في مثل هذه القضايا لأن النقاش معه لا يبتدئ من هنا ، لأن هذه القضايا ليست عنده مُسَلَّمة ، ولكن يكون النقاش معه في أصل الديانة ؛ في ربوبيَّة الله ، وعبوديَّة ونبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، وصِدْق القرآن الكريم وإعجازه .
أيضا التجرُّد واتباع الحق ، والابتعاد عن التعصب والالتزام بآداب الحوار .

وعلى كل منهما التزام بالقول الحسن وتجنب الإساءة إلى الغير والالتزام بوقت محدد في الكلام وحسن الاستماع وتجنب المقاطعة
وتقدير كلا منهما واحترام الآخر وحصر الحوار في مكان محدود .
وأخيراً تُوقِفَ الحوار إذا وجدْت نفسك قد تغير مسارها ودخلتْ في خضم الخصام .






Share To: