الكاتب المصري إبراهيم الديب يكتب: "مع هيكل "


عندما تقرأ :لمحمد حسنين هيكل ؛ستدرك أن مفهومه للكتابة السياسية ؛فهما صحيحا ،وأن فكرته عن تعقيدات المجتمع فكرة عميقة ،وستدرك أيضا أثناء القراءة أنه يمزج السياسة بالأدب والفكر والفلسفة  في ضفيرة واحدة لا تقل قراءتها متعة عن استمتاع من آيات الأدب الرفيع، كتابته أقرب  لفلسفة التاريخ ،وستجد تأثير ابن خلدون وهيجل ،وجيبون على أسلوبه الذي ستخبرك سطوره بصراحة العالم ،وروح الأديب ،وعقل المفكر، وعمق الفيلسوف يستند ويستدعي وقائع مغيبة ،وأحداث منسية من المناطق الرخوة من التاريخ  يوظفها باقتدار لخدمة السياق .

 وستقتنع بكل ما يكتبه بعد أن تشعر أن روايته للتاريخ والأحداث هي الأقرب للحقيقة والمنطق دون أن يلح عليك بذلك بعد عرض جميع وجهات النظر المنطقية والوثائق والمستندات التي تؤيد ما كل يكتبه بعد أن يغوص في تحليل وتشريح الشخصيات مثار البحث ويقف على دوافع تصرفاتها التي كانت خفية غامضة مبهمة في حاجة للإيضاح والتبرير... يزيح ويقوم بالرد على أسئلة القارئ حتى أصبح ما تقوم به هذه الشخصية من أفعال مبرر  بعد عرض هيكل المقنع بأسلوبه السلس الرشيق الكاشف  في علاقة جدلية بين الشخصية وبين أحداث العصر وتأثير كل منهما في الآخر، لأن الشخصية التاريخية أو السياسية التي يكتب عنها  لا تعيش ولم تنشأ في فراغ فهو ابن عصره مكبل بقيود محلية ودولية وضغوط سياسية فهو يملك رؤية ونظرية مثالية ذهنية، ولكن هيهات بين النظرية والحلم المثال من ناحية، و بين التطبيق على أرض الواقع من جهة أخرى يجاوبك هيكل عن كل ذلك بوضوح شديد فقد تعايش مع ما يريد كتابته داخلياً مرات عديدة يقوم فيها بالحذف والإضافة ، وكأنك من كتب وفكر أو شريك له في الكتابة بعد سلمت له عقلك ونفسك طواعية..

 ، وستكتشف أيضا أثناء القراءة  أنه من القلائل الذين يدركون : دور مصر  أفريقيا وعربيا وأهميتها بالنسبة للعالم الإسلامي وعلى الساحة الدولية بموضوعية شديدة دون انحياز عاطفي يلف الصورة بالغموض والضبابية، أما دورها على مدار التاريخ وتأثيرها على دول الجوار بصفتها دولة المحور التي تشكل سياسة المنطقة هذه الرؤية لا تفارق ذهنه بل تخايل عقله ونفسه أثناء الكتابة  ،وستقع في غرام كتاباته الممتعة وأسلوبه الأدبي وستنتهى من قراءة كتاب له لتبحث عن كتاب آخر له لتقرأ  كما حدث معي منذ أول كتاب قرأته له ،وهو كتاب؛ خريف الغضب تلك الوثيقة التاريخية الأدبية الفلسفية الفذة ،وسوف تعجب به أكثر من كل ما سبق ذكره عندما تجده يطبق رأى العقاد؛ باعتزازه بنفسه ،و بأن الكتابة أشرف مهنة في الوجود وضمنيا يكون الكاتب أهم شخص في الوجود ...رحم الله هيكل الذي لم يقف بباب أحد ليبيع فكره برخيص الثمن ،والذي كانت تقف ببابه الملوك والرؤساء حتي يأذن لهم بالدخول....  ليصبح بعد ذلك من أهم أربعة محللين للأحداث؛ السياسية فى العالم أجمع. 






Share To: