الكاتبة المغربية/ نجاة زين الدين تكتب مقالًا تحت عنوان "انتصار الانسانية للطفولة" 


وحيد أنا في جب الحياة... وحيد أنا بلعنة الظروف و بقرار المماة... شاء القدر أن يغير مجرى أحلامي و أمالي... ولدت بمحيط واحدة من أجمل المدن المغربية و من احدى نقط المغرب المنسي و  أفقرها...تطلعت بين فيافي جبالها و هضابها ليكون لي مستقبلا آخر غير ذاك الذي خبأه لي القرار الالاهي و قدره...
نعم أنا ريان الشاوني، الذي عاش بين أحضان والديه خمس سنوات، و الذي جاب خبر سقوطه في البئر لمدة خمسة أيام، كل فضاءات التواصل الإجتماعي...و قنوات الإعلام الرسمي الوطني و الدولي...الصادق منه و المرتزق، تحدث الجميع عن الصاعقة التي لم أدبر خيوط نسيجها و لم أتخيل يوما أنني سأكون بطل روايتها، بعنوان عريض: إنتصار الإنسانية في كل صورها...
نعم انتصرت الإنسانية، عندما غيبت الحدود و سقطت الخلافات برغم كل الإختلافات...فنكست أعلام التقسيمات و التشردمات و العنصريات لينتصر الإنسان فينا...التصقنا بهواتفنا نترقب جديد الأخبار... نعم، قضينا الليلة الأولى من الأيام الخمس للكارثة، في أحاديث مسهبة حول الحياة و الموت...حول صراع الخير و الشر فينا و  وضع الطفولة بالشاون و بكل بلادي الغالية و بكل البلاد العربية و الإفريقية و الآسيوية و دول أمريكا الجنوبية...سافر بي ذهني الى جبال الأطلس المتوسط لأتذكر استغاثة ذلك الطفل الذي يطلب المساعدة و هو يرتعش من كثرة البرد و طافت ذاكرتي بالمنطقة الشمالية لتتوقف عند وفاة طفلها باللعبة الرقمية: الحوت الأزرق و حضرني في نفس الآن أطفال المخيمات بفلسطين فتذكرت الطفل محمد الذرة و أطفال العراق فسال دمعي على ما ألحق بهم من تنكيل أمريكي وحشي بمقر المكتبات و كل مؤسسات المعرفة و بكل الأحياء التي كانت تتغطى بدماء و أشلاء أبناء الشعب العراقي البطل...و سوريا فاستحضر ذهني فواز و كل أطفال الممات و عرجت على لبنان لأستحضر طفولة مجزرة صبرا وشاتيلا و الأردن فتجسم أمامي أبناء مخيمات الشتات و اليمن فبكيت جوعى تجار الحروب و التقتيل الخليجي/الأمريكي/الصهيوني، و دول إفريقيا و آسيا فلعنت بأعلى صوتي تقسيمات الاستعمار و مخططاته المجحفة، الظالمة...و أمريكا الزومبي التي لا يهدأ لها بال إلا بزرع الصراعات و التقسيمات، لضمان بيع سلاحها و تجريبه في شعوب بلادنا العربية و بقاراتنا الافريقية و الآسيوية و دول أمريكا الجنوبية، لتستنزف الشجر  و البشر...و يسيل الدمع بسخاء عن مأل الحال أمام ضعف الحيلة.... 
و كم تمنيت لو توحدت البشرية و توقفت الحروب و تغيرت مجريات كل الأحداث...عكس تيار جشع الإمبريالية الرأسمالية التوسعية... فراجعت الكيانات الإستعمارية مواقفها و أقلعت عن إرهابها، و على رأسها اسرائيل لتعيد بذلك كل الأراضي الفلسطينية المغتصبة لأصحابها...لتنتصر الإنسانية و تنفض عنها غبار اللامبالاة و الأنانية و النفعية التي تربعت بقلوب الجميع، دون استثناء... نعم، لتنتصر لكل هؤلاء الأطفال: رهان المستقبل و لكل المظلومين و المكلومين و لكل فقراء و كادحي الكرة الأرضية...تنفيدا لكل التعاليم السماوية بمختلف مشاربها... 
كم تمنيت و تمنيت و تمنيت...
تمنيت أن يخرج ريان حيا يرزق من غياهب ظلمة تلك الحفرة التي لم يتعد عمقها 30 متر، و مع ذلك زعزعت توازن كل العالم.... لا يهمني الآن إن كانت حفرة أو بئر أو مطمورة...لكن ما يهمني أنها كشفت هزال بنياتنا و هشاشتها و ضعف تجهيزاتنا و بؤس تقصيرنا... لقد شاء عوز الأسرة و إهمال المسؤولين، أن يدفع ريان و آخرين قبله حياتهم ثمنا لذلك...
نعم تمنيت، لو التف الجميع حول كل قضايا الإنسانية بنفس الإهتمام...و تم نفض غبار الاتكالية و الإنتهازية و الأنا المضخمة القاتلة و وحد الجميع كلمته حول الكثير من التحديات و الظواهر و الكوارث التي تعصف بعقول طفولتنا و شبابنا و أخطرها: ألعاب العنف الرقمية و  المخدرات: هاته الأخيرة التي خربت عقول و أجسام طفولتنا و شبابنا...فتفنن مروجوها في تسمياتها وفق ما حدده إرهابيو الإنسانية و مرتزقة الظلامية لها...
و تمنيت، لو أن البشرية أبدعت في زراعة النبل الأخلاقي و الأمل و انتصر  الخير فينا.... في أبهى صوره بدل صناعة الأسلحة و نفث سموم الحروب و زرع الإحباط و الضغينة و التلذد بالقتل و نشر الموت بمل سادية...و التشادق بالسفاهة و البلادة...مما خلف المزيد من الإنتكاسات و الانهزامات...نعم كل تلك الأماني جابت عقلي الصغير بلسان حالي و نيابة عن كل البشرية في سوقها الكبير و الواسع، حيث صار كل شيء يباع: الحرف يباع و الكلمة تباع و الأجساد تباع و الحق يباع...و الفيروسات يخطط لها، ليباع لها الدواء...و الخراب يباع...حتى المشاعر تباع في زيف النفاق و جلباب الأكاذيب...
نعم، كم  تمنيت لو توقف نزيف كل ما سبق لتنتصر الانسانية فينا و لنا، فمتى سيتحقق ذلك يا ترى؟؟؟؟؟
أحر التعازي لوالدي ريان سفير الإنسانية، و الرحمة للملاك الصغير  الذي تقلد في نفس الآن كل المسؤوليات:
*) وزيرا للتعليم: بحيث علم البشرية درسا مفاده: أن بوحدة المجهودات قد ننحث الصخر و لا نيأس فقط لتنتصر الإنسانية...
*) وزيرا للنوايا الحسنة: بحيث علم البشرية بأن القلوب الطاهرة قد تفعل دورها من كل المواقع و لقد تجسد ذلك في كل تلك الأصوات التي تعالت و ارتفعت بكل بلاد العالم و من المنطقة الشرقية بالتحديد على لسان أبناء جرادة الذين لولا العوز المادي لوجدوا أنفسهم كذلك بالشاون للمشاركة في محاولة الإنقاذ...لما اختزنوه من تجربة أنفاق الفحم الحجري، الذي لازالوا يقتاتون بفتاته إلى حدود الساعة. 
*) وزيرا للأشغال العمومية: بحيث عرت فاجعة موته، ضعف الإستثمارات المخصصة للتجهيزات بكل جماعات المغرب، أكانت قروية أو حضرية، و سوء التدبير....و استهتار مسؤولينا...و غياب المحاسبة، و تنافي تلازمية الحق بالواجب...في منظومتنا التسييرية للشأن العام... 
*) سفيرا لليونسيف: التي وجدت من أجل حماية الطفولة من من حطموا امااااالها و قتلوا عنفوااااانها...و كدبوا علينا بشعارات المؤسسات الجوفاء، القائمة على مبدأ تلميع الواجهات بالرياء الملوث بدماء الكثير من الأبرياء... 
*) سفيرا للحكمة: بحيث لقن موته درسا لكل أولئك الذين يتشدقون دوما بصفات الكمال، بمسلماتهم النرجسية، التي عطلت عجلة العمل و المبادرة بتعجيزاتهم و انتقاداتهم و مقترحاتهم السلبية...دون استشراف للمستقبل بعمل جاد وطموح و إصرار صلب و يقين في رب العالمين 
*) وزيرا للتضامن و التكافل الإجتماعي حيث وحد قلوب كل المغاربة و كل ساكنة العالم الذين هبوا جميعا بدعواتهم للتضرع لرب العباد بإعادته ناجيا حيا لوالديه البسطاء...لكن... و ما أصعب  علقم و مرارة هاته لكن... 
مات ريان، و ترك الدرس...
مات ريان و جمع البشرية...
مات ريان و انتصرت الإنسانية...
مات ريان و لازال في كل البلاد العربية مأساة من ريان بكل بيت و مخيم و ميتم و كل أزقة الدروب حيث يمكث الكثير ممن لا مأوى لهم و لا سكن...فيا أيتها الإنسانية تحرري من قيود الظلم و بطش الغفلة و عانقي رحاب الحب لتنتصري للعدل و الإيخاء و سمو القيم... 







Share To: