الكاتب المغربي / إلياس الخطابي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "بحثا عن الحب " 




سرت جنب البحر ،ريح خفيفة تصفع خدي ،أمواج تأتي ،تنتهي ،وتأتي أمواج أخرى ،البحر لا يتعب ،لا يتوقف عن التحرك ،لا يتوقف عن لفظ جثث أبناء المدينة ،الذين يلقون بأجسادهم في القوارب ،باحثين عن الأفضل  . العيش هنا في هذه المدينة لم يعد ممكنا ، أبناء المدينة يهاجرون ،وباستمرار إلى الجنة المفقودة ،وأبناء القرى يهاجرون إلى المدن . الأحلام تختلف ،من إنسان لآخر ، حسب الزمان والمكان . 
أبناء المدينة يرفعون شعارا :الإنسان لا يعيش بالخبز وحده .
وأبناء القرى يرفعون شعارا :أريد الخبز كي أعيش .
مفارقة عجيبة أعجز عن تفسيرها . 
سيظل الإنسان طوال عيشه ،يطلب ،يتمنى ،ويريد ان يحقق . الأهداف لا يمكن ان تتحقق كلها ،العالم غريب ،وفيه ظلم كبير ،الآخر يستغل الآخر . لكن الحلم افضل من اللاشيء . الإنسان بدون أحلام لا يساوي شيئا ، ويصبح إنسانا غير عاديا ، الإنسان الذي لا يحلم ،ولا يريد أن يحقق شيئا ،هو إنسان ميت . 
مشيت ببطء ،هذا اليوم لنفسي ، لا عمل ،لا موعد ،لا مسؤولية ،أصبحت لنفسي ،لا حبيبة أنتظر ردها ،ولا أفكر في سبب تأخرها . هاتفي في جيب السروال ،منطفئ . سئمت من الجميع ،ومن العلاقات في الواقع ،ولا في المواقع .الدائرة حولي تقلصت ،الكثير فروا مني ،وآخرون فررت منهم .لا أريد من يحشر نفسه في حياتي . حياتي أريد أن أعيشها كما يحلو لي ،وإذا فشلت في القرارات ،سأتحمل مسؤوليتها . أفظع ما يمكن أن يعيشه الإنسان هو أن يتحكم فيه الآخرون ،أن يكون لعبة في يدهم ،يصنعون بها ما يشاؤون ،أن يسيروا حياته كيف يبغون . لقد عشت هذا كثيرا في صباي ،والآن ،حينما أتذكر ذلك ،أكاد أن أنهار . أستغرب كيف صمدت ! 
كانت هناك قوة رهيبة ،أستمدها من شيء ما  ،قوة تمسكني ،وتشدني شدا ،كي لا أصير مدمرا .حاولت أن أفني هذا الجسد ،لكن لم أفعل .لقد سمعت مرارا،أن الشجعان هم الذين ينتحرون .
لا شك أني جبان ،أو أكثر من ذلك،فاشل ،فاشل كثيرا . 
فشلت أيضا بقول لجارتنا :احبك ،وشيء ما يجذبني إليك .
ربما لم يكن حبا ،الإعجاب شيء ،والحب شيء آخر .ربما كنت أكان لدي فراغ عاطفي ،او كنت أمر بأزمة نفسية حادة 
ما الحب ! الحب ليس للنخبة المثقفة . الحب للجميع ،الحب إحساس .الحب نحسه ،والكره أيضا نحسه .
لم أعش الحياة . وما الحياة ؟. ربما الحب هو الذي يختصر الحياة ويجملها . الحياة بدون حب ليس حياة . 
شاب وشابة يمشيان ببطء ،العشاق يذهبون للبحر . لا أعرف لماذا ذلك !، بين فترة وأخرى ،تعطيه شفتيها ،يبوسها ،يضحكان ،يتغامزان ،يتباوسان ،كلاهما يذوب في الآخر . وأنا تذوبني الآلآم . 
سمعت ان الحب الحقيقي هو الذي ينتهي بالزواج ،وقرأت يوما لحسونة المصباحي : الحب الحقيقي دائما ما ينتهي بالفشل .
كيف لنا أن نميز بين الحب الحقيقي والحب الفاشل ! أسئلة كثيرة تحاصرني ،أتركها ، لا أبحث لها عن جواب .لم أعد أريد أن أعرف كل شيء . العالم لغز ،لا يمكن إدراكه ،والذي يظن أنه أدركه ،وعرف حقيقته ،لم يعرف شيئا . العالم واسع . 
لم أعد أقتنع بشيء ،ولا أثق في أحد .الإنسان متعدد الأبعاد ،وله وجوه مختلفة ،الإنسان بطبيعته كائن  معقد . كنت أحاول أن أفهم الجميع ،وأنسى فهمي . الذي لم يدرك نفسه ،لا يمكن أن يدرك حقيقة الآخرين . قوتي استنزفت ،ولم أعرف أحدا . كل الذين أعرفهم ،في كل مدة ،أراهم بوجوه مختلفة . 
منذ أمد طويل ،بحثت عن شخص يفهمني ،وأفهمه .لكنني لم أجده ،ربما ليس هناك أحد قادر على فهمي . الحياة تلاعبت بي كثيرا ،وجعلتني إنسانا غامضا . لا يعرف كيف يعبر عن حبه ،ولا عن ما يشعر به  . الحياة مزقتني وأنهكتني الى حد لا يطاق،ولا تزال تمزقني . فتاة صغيرة ،تبيع الورد ،وتلاحق العشاق لتقنعهم بجودته . مرت قدامي ،توقفت ،نظرت إلي، ثم سألتني ضاحكة :
-ماذا تفعل هنا وحدك ؟ ،تنتظر حبيبتك ،ام أنك مهموم ،أتيت هنا لتنسى ،ولو قليلا ؟! 
ضحكت ،حدقت فيها  ،براءة في وجهها ،طفولتها تسرق ،لا تعيش ، ليست وحدها ،الكثير من سرقت منهم طفولتهم ،والأمور ستبقى هكذا . متى ستنتهي آلام الناس ،وسينهي الظلم ! لا أعرف . العدل لن يتحقق. بعد ان تفحصتني كثيرا ، وأودت ان تذهب .  قلت  لها :
-قدماي جرتني إلى هنا . 
ودعتني وغادرت .غابت . ألقيت نظرة أخيرة على البحر ومشيت . ربما هو يوم أخير لي في هذه المدينة . لقد ضعت فيها ،ولا أريد أن أضيع أكثر . 
الآن جالس في مقهى النكور ، شربت قهوتي على عجل .أخرجت القلم والورقة من جيب السروال . لم أجد ما اكتب . لقد عجزت عن كتابة شيء ،كما عجزت عن إيجاد شخص يحبني كما أنا .






Share To: