حديث الجمعة القدوة الحسنة 40 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف




تابع موضوع بعض خصوصيات النبى صلى الله عليه وسلم

رحمته صلى الله عليه وسلم بالجماد

أيها إلقارئ الكريم حدثتك فى الجمعة الماضية عن بعض ما اختص الله تعالى به عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وما ذكرته لك غيضٌ من فيض وقليل من كثير مما اختص الله به البشير النذير دون غيره من الأنبياء والمرسلين وحدثتك بإيجاز عن رحمته صلى الله عليه وسلم بأهل الكتاب (النصارى)

واليوم بإذن الله تعالى أحدثك عن رحمته بالجماد راجيا من الله التوفيق والسداد وهداية العباد 

ولعل عنوان المقال يثير عجب البعض، فيتساءل: هل الجمادات تشعر أو لديها إحساس حتى يقع عليها رحمة العباد؟!

والإجابة على هذا التساؤل: نعم.

الجمادات لها شعور وإحساس، وحب وميل، بل بكاء وأنين، وهذا الذى دفع بنبينا -عليه الصلاة والسلام- أن تقع شفقته على هذا العالم مِن المخلوقات، وقبل أن نذكر بعض مواقفه -عليه الصلاة والسلام- في رحمته بالجمادات، نذكر طرفًا مِن عبودية الجمادات حتى يزال عجب القارئ أو السائل.

فالله -سبحانه وتعالى- خلق في هذه الجمادات إدراكًا حقيقيًّا، فهي تسبح وتحمد الله -عز وجل-؛ حتى الحجر والجدار، كما قال -تبارك وتعالى- في الجدار: (فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ) (الكهف:٧٧)، خلق الله فيه إرادة؛ ولذا قال: (يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ)، وقال -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ) الحج:١٨، وفي هذه الآية قرينة واضحة على أن السجود هنا سجود حقيقي، والخلاف هو في كيفية السجود، ونحن نعرف فقط سجودنا نحن؛ إذ نسجد على سبعة أعضاء، أما ما عدانا مِن الكائنات فهي تسجد، لكننا لا نعرف هذه الكيفية.

وقال -تعالى-: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (الإسراء:٤٤)، فكل هذه الكائنات مسلمة بالله -عز وجل-، كما قال -سبحانه-: (أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ) (آل عمران:٨٣).


وليس هذا فحسب، بل جميع الكائنات تؤمن بنبوة نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم-، في حين عمي كثير مِن الإنس الذين أوتوا العقول ورأوا الآيات عن هذا الحق، وكذبوا برسالته -صلى الله عليه وسلم-! فعن جابر بن عبد الله أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، إِلَّا يَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، إِلَّا عَاصِيَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ) رواه أحمد.

وهذه بعض الأحداث التي وقعتْ للنبى -صلى الله عليه وسلم- مع الجمادات:                   

- عن جابر -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ، أَوْ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: (إِنْ شِئْتُمْ)، فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا، فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى المِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِى ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، تَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِى يُسَكَّنُ. قَالَ: (كَانَتْ تَبْكِى عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا) رواه البخارى.


- وعن يعلى بن مرة -رضي الله عنه- قال: سِرْنَا فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَنَامَ النَّبِى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَتْ شَجَرَةٌ تَشُقُّ الْأَرْضَ حَتَّى غَشِيَتْهُ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَكَانِهَا، فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذُكِرَتْ لَهُ، فَقَالَ: (هِيَ شجرةٌ استأذَنَتْ ربّها -عز وَجل- أَنْ تُسَلِّمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنَ لَهَا) رواه أحمد

وقد تحرك الجبل فرحًا به -صلى الله عليه وسلم-: عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: (اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ) (رواه البخارى

وكذلك الأحجار كانت تسلِّم عليه -صلى الله عليه وسلم-: عن جابر بن سمرة أن النبي -صلى الله عليه سلم- قال: (إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ) رواه مسلم

كما عبَّر -صلى الله عليه وسلم- عن حُبه للجمادات: فعن أبي حميد -رضي الله عنه- قال: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِى -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ، حَتَّى إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى المَدِينَةِ قَالَ: هَذِهِ طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ، جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ) متفق عليه

هذا وإن كان في الأجل بقية فلا يزال الحديث موصولا عن رحمة البشير النذير بخلق الله أجمعين وإن كانت الأخرى فالعفوعند الله زخر المحبين رزقنى الله وإياكم حبه وشفاعته يوم الدين بجاه سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم



حديث الجمعة القدوة الحسنة 40 بقلم فضيلة الشيخ أنور توفيق موجه الوعظ بالأزهر الشريف


Share To: