الكاتب / عبدالحق توفيق البقالي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "مـــــوعـــــد انـــتــــــظـــــم عـــــبـــــر الــــشـّــَـــــاط" 




طلعت صورتها على صفحته الفايسبوكية، بهاتفه المحمول، وهو يبحث عن صديقات أو زبونات مفترضات... وجه لها دعوة صداقة، فردت بعد ساعتين بالقبول، لينخرطا معاً في حوار افتراضي، طبيعته لاتخرج عن سياقات هكذا حوارات، يغلب عليها الادعاء في القول، والفيض المزور في المشاعر، وابراز الانتماء لمواقع اجتماعية ومهنيةكاذبة ، لها صلة فقط بالتمثلات والآمال والمخيال... 

-أنا نجلاء... مسجلة بسلك الدكتوراة:تخصص علم نفس الرجال... عمري ربع قرن بالتمام والكمال ههه... عازبة، وشكلي وملامحي تفضحها صورتي على البروفايل ،كما ترى ويبدو لك...... 

-تبدين في غاية الوسامة والجمال... أنا خادمك سـلـيـم،أتممت الاربعاء الماضي نصف قرن كاملاً غير منقوص، وأيقنت ساعتها أن القرن كالشهر ونصفه كبضعة أيام من أسبوع... أشتغل مقاولاً من الدرجة الأولى.. أحوز صفقات الدولة لبناء المؤسسات العمومية، والطرقات الرابطة بين المدن... كرهت الشهرة والمال... 

--أنت متزوج سيدي؟؟؟  

-نعم ولكنني أعيش حياة زوجية أشبه مايكون بالجحيم!!! زوجة مشكاكة، كثيرة الصراخ والسب واللعن...  من الصنف الذي يكفر بالعشير... ذميمة ووضيعة... ولكنني أتحملها بسبب بنتين تربطاني بها، تزوجتا، وتقيمان بالديار الأوروبية... 

--وانت، من سعيد الحظ الذي تنتظرين قدومه الى البيت من أجل خطبتك هههه؟ لعله وسيم  ومثقف مثلك ؟؟؟

--آخر ماأفكر فيه هو الزواج... والدي موظف بأجر محترم... وهو مدمن خمر وقمار... نحن أسرة رباعية :الوالد والوالدة وانا وشقيقي الأكبر... كرهت الزواج والأسرة، بسبب مارأيت أمي تعانيه مع والدي... يمتهنها ويحتقرها، ولايقيم لها وزناً ولااعتباراً...ولم يكن يمر يوم واحد، دون ان اسمع لازمته المتكررة... (لولا إصرار والدي رحمه الله ماكنت لأتزوجك :أمية جاهلة، وبدوية من اسرة حقيرة.... ولاشيئ فيك يبعث على الإعجاب والانبهار والتعلق... لولا الولد والبنت لكنت تخلصت منك... )...فبسبب هذه اللازمة وسوء معاملة أمي... كرهت الزواج والغيته تماماً من مفكرتي.... 

راودته شكوك بسبب الوضع الذي حكت عنه، فسألها مندهشاً أنت تقيمين بمدينة الرباط؟؟؟؟ 

-لاسيدي..... أنا من أصول فاسية، وأقيم مع أسرتي بمدينة الدار البيضاء...... 

--هل تترددين على مدينة الرباط؟؟؟ 

-طبعاً...غداً سأكون هناك... لي غرض علمي بالمكتبة الوطنية...... 

--حسناً !!ماذا لو تواضعت، وأجبت دعوتي، لنتناول معاً كأس شاي... ههه؟؟؟ 

- اسمع؛ أنا خبيرة بالرجال... أعرف مبتغاك وسأختصر عليكبعد المسافة... أنت مقاول كبير وثري... وأنا في حاجة للمال، لأسد به حاجياتي الدراسية كباحثة أعد اطروحة نيل الدكتوراة في العلوم الانسانية... سأجيب الدعوة بالشكل الذي تريد.... ولكنني بحاجة ماسة لمبلغ مالي محترم ....

تواعدا على ساعة معينة ومحددة..... حدد لها العنوان بالضبط.... كان قد اوصاها بالمجيئ بزي محترم ، واوصاها أيضاً بضرورة الاحتراز، وأن تقول لحارس العمارة إنها تقصد الشقة رقم 8...حيث تقيم السيدة العجوز أمي آسية... على أن تدخل الشقة رقم 9 التي تعود اليه، والتي سيترك بابها مردوداً وغير مغلق... 

كان قد أحرق بعض عيدان الندّ الهندي، ليتلف رائحة دخان الكيف الذي يغطي سقف بهو الشقة، بسبب إفراط صديقيه في استهلاك هذا المخدر....... 

وكما اتـّـُفق.... دفعت باب الشقة في كامل رفق، فيما كان هو يدرع البهو جيئة وذهاباً....تعلو وجهه سخونة الانتظار.....وماأن وقعت عيناها على ملامح وجهه، حتى صاحت صيحة أشبه بدوي صفارات إنذارات الحرب ...صيحة هزت جدران الشقة كما العمارة... فيما صـعق الرجل وذهل وهو يرى ان القادمة هي بنته عينها.... راودته فكرة الارتماء من شرفة الشقة الى اسفل... لكنه عدل عن ذلك.... وأسلم سيقانه للريح يطير أدراج سلم الدرج المفضي الى بوابة العمارة........ تجمهر  سكان العمارة حول ابنته وهي شاخصة العينين، يغطي فمها زيد كزبد البحر..... دنا منها طبيب مقيم بذات العمارة... تحسس عروق عنقها..... ثم وجه نظره صوب المتجمهرين :

-لقد فارقت الحياة..... قد يكون ذلك بسبب سكتة قلبية ناتجة عن هول صدمة....... أشعروا رجال الشرطة ياسادة............ 


الكاتب / عبدالحق توفيق البقالي يكتب قصة قصيرة تحت عنوان "مـــــوعـــــد انـــتــــــظـــــم عـــــبـــــر الــــشـّــَـــــاط" 


Share To: