الأديب المصري / د. طارق رضوان جمعه يكتب : العدالة الشعرية فى الدراما النفسية




"العين بالعين" لشكسبير


قال الله في سورة الأعراف (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) , قال ابن كثير : يقول تعالى (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ) أي ومن الأمم أمة قائمة بالحق قولاً وعملاً يهدون بالحقّ يقولونه ويدعون إليه وبه يعدلون يعملون ويقضون.

تبدأ مسرحية «العين بالعين والسن بالسن» لشكسبير وكأنها حكاية من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث الخليفة يلاحظ الفساد المستشري في مملكته، فيقرر أن يتخفى زاعماً أنه على سفر. ويسلم قيادة البلاد لمعاون له، ثم يتجول هو متخفياً، فيراقب ما يحدث ليكتشف مواقع الخلل. وكما يحدث في مثل هذه المواقف في «الليالي العربية»، تتحول الحكاية في نهاية الأمر من حكاية عامة الى حكاية خاصة. وحين يعود الحاكم الى التدخل، بعد أن يُخيل له أن يفهم كل شيء، يعكف على حل المشكلات الداخلية من دون أن يأبه كثيراً بالحلول العامة التي كان يريد الوصول اليها.

استخدم شكسبير جملة تبدو كعقاب حاد: «العين بالعين والسن بالسن»، كما جاء في العهد القديم. اختار شكسبير هذا العنوان ليناقش أحقية البشر في تطبيق العقاب باسم الرب. وهو مأخوذ من موعظة في إنجيل القديس متى.

كثيراً ما كتب الأدباء عن العدالة في أعمال شكسبير الأدبية. وأطلق أديب في القرن السابع عشر على هذا الميل في الأعمال الأدبية مصطلح العدالة الشعرية تعبيرا عن هذا الاتجاه في الأدب مع اعتباره شيئا حسنا ومحمودا .ولكن على القارئ الفطن أن يعى هذه المصطلحات فهى تلاعب بالألفاظ. فالعدالة ليست وليدة أقلام الشعراء ، بل هى مبدأ إلهي وحتمي  لنجاح الكون ونشر الحضارات بسلام. ويرجع ذلك إلى أن    العدالة والقصاص هي سنن إلهية ربانية للكون قبل أن يكون مفهوما أدبيا يسعى بعض الأدباء لافتعاله في بعض الأعمال الأدبية عن دون اقتناع كامل.

فما هى العدالة الشعرية؟

العدالة الشعرية هي أداة أدبية حيث يتم فيها انتصار الخير وهزيمة الشر في نهاية أي عمل أدبي مثل رواية أو مسرحية أو قصيدة شعرية.

ولكن ما عيوب العدالة الشعرية؟

الأدباء والنقاد في العصر الحديث اعتبروا أن الأعمال الأدبية يجب أن تقدم درسا أخلاقيا للبشرية، ولكن هذا الاتجاه أصبح يوجه له انتقاد بسبب افتقاره للواقعية ، فأحياناً ينتصر الشر.

جادل فيليب سيدني ، في كتابه The Defence of Poesy (الدفاع عن الشعر)، بأن العدالة الشعرية كانت هي السبب في السماح بالخيال أو التخيل في أمة متحضرة.

خلال أواخر القرن السابع عشر، كان النقاد الذين ينتهجون معيارًا كلاسيكيًا جديدًا ينتقدون فيه ويليام شكسبير لصالح بن جونسون على وجه التحديد على أساس أن شخصيات شكسبير تتغير أثناء سير المسرحية.

تُعتبر «العين بالعين» إحدى مسرحيات الكوميديا التراجيدية التي كتبها شكسبير في الفترة الأخيرة لكتاباته التي تندرج تحت هذا التصنيف، لأنها وعلى عكس مسرحيات التراجيديا البحتة، فهي تنتهي بالمُصالحة والغُفران.

اعتاد القُراء ممن كَتب لهم شكسبير «العين بالعين» رؤية العقاب الواقع على الجُناة والمُخالفين للقانون، فكان الإعدام في المدن الرئيسية بمثابة متعة عامة. استُخدِمَت المقطرة (وسيلة تعذيب) وأعمدة التشهير لعرض وإذلال المجرمين.

كان الجَلد العلني عقوبةً لبعضِ الجرائم ومنها الجرائم الجنسية، أيضًا كان الكي بديلًا في بعض الأحيان كعقابٍ لبعض الجرائم الوحشية.

امتلكت محاكم الكنائس الصلاحية لمُحاكَمة وعقاب التجاوزات الجنسية، بما في ذلك الزنا وإنجاب الأبناء غير الشرعيين. أما عقوبة الجرائم الأقل فقد تكتفي باعتراف المذنبين بخطاياهم وإعلان توبتهم في الكنائس أمام جماعة المصلين.

تُقدِّم المسرحية تصورًا دراميًّا نفسيًّا لهؤلاء القاسين في عقاب الآخرين بأنهم قطعًا يعانون من مشاكل نفسية. كما في «الملك لير» عندما تصور شمَّاسًا يجلد عاهرةً قال له: «إنك تجلدها لأنك كنت تشتهيها». فنجد أن أنجيلو الذي لا يطبق تعاليم الدين هو من يحاسب الآخرين بقسوة بدافع خوفه الداخلي من أن يحاسب نفسه.

وأخيراً فكم من فاضلات ذاقت مرار فضيلتهن! فعلى الإنسان أن يتحلى باليقين الكافي في أن الله سبحانه وتعالى هو العدل المطلق الذي لا يسمح أبدا بأن يفلت أي ظالم أو “شرير” بالمصطلح الأدبي من العقوبة لأنه حرم على نفسه ظلم وبالتالي حرمه على البشرية.




الأديب المصري / د. طارق رضوان جمعه يكتب : العدالة الشعرية فى الدراما النفسية


Share To: