الكاتبة المصرية / سها عبد السلام تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "جسد نحيل" 




 جسد نحيل، نفس مهشمة، روح معتمة، تكبلت الأيام وأحيت يوماً بيوم، نعم، هو ذلك الذي أخذ الوفاء رداءاً عندما طعنه القدر طعنة غدر في نزال الهوى الدامي، كانا عاشقين إلى الوريد، أخذا من الحب عقيدة وقداسة، أفلاطونيته الهيماء، و هي تلك الأميرة الساحرة ذات العينين البراقتين والقلب الحنون، عشق فيها البراءة ورساخة العقل، كان يعزف تنهيداً، ويتناول حديثها بشغف وكأنها قيثارة لسيمفونية بيتهوفن، وكان لها فارساً بأجنحة ملائكية يهيم بسماء العاشقين، لاترمق مقلتاها غير طيفه مهما كان العابرون، تراقص الحب فرحاً بمحرابهما، لكن دائماً هناك ما يأتي بالزمن خلسة ليقول كفوا أيديكم عن مائدة السعادة والفرح، اختارها الزمن لينحر فؤادها الهزيل، نعم إنه مرض لعين لاذ بجسدها الرهيف، واحتسى أيام عمرها إلى الفناء، كانت تخفي آلامها خلف ستار فرحة لقائهما، وتستبيح الضحكات المتعالية لتنتحر دمعاتها المختنقة، كانت تعلم أن الفراق محتم، دخلت متاهة الخوف تلهث علها تصل إلى حلٍ أو عقار يطمس لعنة القدر الواهية، لكن بلا جدوى، ارتابت لحظة الفراق، ليس ارتياب الموت فحسب؛ لكنها  الوحدة التي سيتحلى بها وجدانه من  بعدها، تعلم أنها تقطن أيسره، أخذت تفكر وتفكر، تحطمها تلك الأفكار القاحلة وكأنها دخلت حرباً شعواء، إلى أن اضطرب سهد أنينها الموجوع بين ثنايا صوتها المنتحب، قالت: ارحل، قد سئمت من ذلك العشق الأجدب، لا تعُد، قد أسقيتك من فيض الهوى إلى أن ارتوى قلبي واكتفى منك ارتواءً، مزقت رسائلك المعطرة، كسرت محبرتي، لا أبالي بك وبهما بعد الآن، فقط دعك عني، وهو صامد كشجرة عتيقة منذ زمن الرومان، لا يحرك ساكناً، فقد صَلبت هُدب عينيه، فقط دموع متحجرة، ووداع متملق، غُلِّفَ بالذعر والذهول، جعله يذهب في صمت تاركاً إياها تحتضر بين دمعات ونداءات وعنوة ورضوخ، ولكن بداخله بركان يصرخ ويتأجج بتساؤلات ليس لها حصر، أخذه الكبرياء بمقعد خارج حدود عالمها، تفاقمت الظلمات، مرت الأيام، كان يهاب أن يرمق ظلها، ويتمنى أن تختلس القسوة طيفها نزيفا من دمه، ذات يوم أخذه صقيع الحنين المتوهج لذلك المكان المعهود؛ لتخبره زهورها المفضلة بأنها قد ذهبت بلا عودة، وأنها تركت له قبساً من عطرها وحفنة من أنفاسها، علم ما توارى وأنها اختارت أن يكون عاشقاً أصم عن تراتيل عشقها، ولا أن يكون ذبيح سكين فراقها، أخذ الندم يأكل أيامه، وأقسم أن يبقى لأنفاسها حاميا ولعطرها ساقيا، وأن يرعى زهرة التوليب البيضاء حتى تملأ ضريح الحب الموؤود، وقطع ميثاق الوفاء إلى أن يلقاها؛ ليقدمه بقدميها راكعاً ندماً على ذلك الصمت الذي تيبس بمقلتيه عند الرحيل.




الكاتبة المصرية / سها عبد السلام تكتب قصة قصيرة تحت عنوان "جسد نحيل" 



Share To: