الأديب المصري / سمير لوبه يكتب قصة قصيرة تحت عنوان ( شهريار في المدينة )




في المدينةِ الكوزموبوليتانية يخرجُ أهلُ المدينةِ للكورنيشِ كما اعتادوا في تناغمٍ فريدٍ تذوبُ بينهم الفواصلُ ، واليومُ ليس مثلَ كلِ يومٍ ؛ مانشيتاتُ الصفحاتِ الأولى تعلنُ وصولَ شهريار للمدينةِ   ،  - يا للمصيبةِ - تتوارى الشمسُ خلفَ السحبِ الخرساءِ التي أغمضت عينيها ، الأمواجُ في انتحارٍ جماعي على رمالِ الشاطئ تكره أن تنطقَ ببنتِ شفةٍ ، يسيرُ أبناءُ المدينةِ وقد تصنعَ كلٌ منهم الابتسامةَ يخفي وراءَها ما دفنَه من هواجسٍ لوصولِ شهريار للمدينةِ التي احتضنت هلالَ السماءِ وسمعت دقاتِ الأجراسِ ونفخاتِ الأبواقِ يومًا ما،  لا أحدَ يقرأ الصحفَ التي تنوءُ بأخبارِ الدمِ الذي يرافقُ خطواتِ هذا الشهريارِ ، فالمدينةُ لا تنسى الفوضى التي خلَّفها يومَ غادرَها من سنواتٍ ليست ببعيدةٍ ، أسرعت المدينةُ يومئذٍ تغطي ما خلَّفه من دماءٍ بالرمالِ ظنا منها أن الرمالَ تشربُ الدمَ فتتناسى بطشَه الأسودِ وما تركَه من خرابٍ في النفوسِ ، وتعودُ المدينةُ لدروبِ النسيانِ  ربَّما بزغت شمسُها من وراءِ الحُجبِ ، وما إن تنبشَ أيدي الأطفالِ الرمالَ حتى تتكشفَ دماءٌ لم تجفْ ، تسألُ الأطفالَ مدينتَها تريدُ المكاشفةَ ، تثقلُ الألسنةَ أقفالٌ علاها الصدأ ينادي أحدُهم :

- هَلُمُوا نعيدُ الأمواجَ للبحرِ فلا تموتُ 

- تعفنُ الأمواجِ على الشاطئ يزكمُ الأنوفَ 

- أسرعوا وادفعوا بالأمواجِ إلى البحرِ اردموا الدماءَ بالرمالِ

تسرعُ المدينةُ يدًا واحدةً تتحركُ الرمالُ تحتَ أقدامِها فتخضبَها الدماءُ ، شهريار القادمُ من بلادِه القاحلةِ يطعنُ الأمواجَ بخنجرِه المسمومِ ، تتلونُ مياهُ البحرِ بالحمرةِ ، تتقهقرُ المدينةُ عن الشاطئ مخافةَ بطشِه ، تتحطمُ الأبواقُ تسقطُ الأجراسُ يتوارى الهلالُ بينَ السحبِ الخرساءِ ، نحيبٌ وعزاءٌ يملأ جنباتِ المدينةِ ، تنبحُ الكلابُ مهرولةً في الحاراتِ المظلمةِ ، ذاقَ البحرُ مِلحَ العيونِ ، وما إنْ يغادرُ شهريار المدينةَ ، يهرولُ الجميعُ ليهيلَ الرمالَ فوقَ الدماءِ ربَّما شربت الرمالُ الدماءَ فتخفيها ، تصرخُ الأطفالُ 

- لماذا نغطي الدماءَ ؟!  كفاكم صمتًا ، فليبزغْ الهلالُ بدرًا ولتدقْ الأجراسُ عاليًا ولتنفخْ الأبواقُ .. ضعوا رقبةَ شهريار تحتَ المقصلةِ تعودْ لكم  مدينتُكم الكوزموبوليتانية .


بقلم سمير لوبه

من المجموعة القصصية فرق توقيت




Share To: